كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 3)
صحَّةَ روايته لكلِّ ما نُسِب إليه، فيكِيلُ له التُّهَم جزافًا، ولا يَرى كلَّ مرويَّاته الإسرائيليَّة إلَّا أكاذيب وأباطيل» (¬١).
وثانيًا: لَإنْ ثَبَت عن كعبٍ وغيرِه تحديثُه بروايةٍ إسرائيليَّةٍ، فإنَّه ما كان يُحدِّث عن التَّوراة وحدَها حتَّى يُلزمَ باختراعِ الكلام! -كما يُفهم مِن كلام (رشيد رضا) - بل كان كعبٌ حَبرًا عالمًا بتراثِ اليهود، يُحدِّث مِن صُحفٍ أخرى وَرِثَها مِن أسلافِه الإسرائيليِّين؛ فإنَّ لفظَ (الكتاب) «يشمَلُ التَّوراة، والإنجيل، والصُّحف» (¬٢).
ولا شكَّ أنَّ كثيرًا من تلك الصُّحف قد ضاعَ فلم يَعُد لها أثر، بل مَن يجزم لنا أنَّ التَّوراة الَّتي بين أيدينا اليومَ لم يَطُلها شيءٌ مِن التَّحريف زيادةً على ما كانت عليه مِن تحريفٍ زمنَ الصَّحابة! خاصَّةً أنَّها غير مُتواترةٍ التَّواترَ «الَّذي يُشترَط فيه نقلُ الجمِّ الغفيرِ، الَّذين يُؤمَن تواطؤهم على التَّبديلِ والتَّغييرِ في كلِّ طبقةٍ مِن الطَّبقات» (¬٣)، وهذا بإقرارِ (رشيد رضا) نفسِه.
يقول المعلِّمي: «ما صَحَّ عنه مِن الأقوال -يعني كعبًا- ولم يوجد في كُتبِ أهل الكتابِ الآن ليس بحُجَّة واضحة على كَذبِه، فإنَّ كثيرًا مِن كُتبهم انقرضت نُسخها، ثمَّ لم يزالوا يحرِّفون ويبدِّلون، وممَّن ذكر ذلك السَّيد رشيد رضا في مواضع من التَّفسير وغيره» (¬٤).
ثمَّ إنَّ لفظَ التَّوراة نفسِه -كما فَصَّلَ ابن تيميَّة القولَ فيه وأحسنَ- «قد يُراد به جميع الكتب الَّتي نزَلت قبل الإنجيل؛ فيُقال: التَّوراة، والإنجيل، ويُراد بالتَّوراة: الكتاب الَّذي جاء به موسى عليه السلام وما بعده مِن نُبوَّة الأنبياء المتَّبِعين لكتابِ موسى، قد يُسَمَّى هذا كلُّه توراة؛ فإن التَّوراة تُفسِّر الشَّريعة؛ فكلُّ مَن دان بشريعةِ التَّوراةِ، قيل لنُبوَّتِه: إنَّها مِن التَّوراة.
---------------
(¬١) «التفسير والمفسرون» (ص/٧٤).
(¬٢) «عمدة القاري» للعيني (٢٥/ ٧٤).
(¬٣) «تفسير المنار» لرشيد رضا (٦/ ٢٣٤).
(¬٤) «الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/٩٩).