كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 3)

وكثيرٌ ممَّا يَعزوه كعبُ الأحبار ونحوُه إلى التَّوراةِ، هو من هذا الباب، لا يختَصُّ ذلك بالكتابِ المُنزَّل على موسى عليه السلام؛ كلفظِ الشَّريعةِ عند المسلمين: يَتَناول القرآن، والأحاديث النَّبوية، وما استُخرِج مِن ذلك» (¬١).
وأمَّا عن مُخالفِتِه لأهلِ العلمِ بالجرحِ والتَّعديلِ في تزكيتِهم لكعبٍ، بدعواه عدمَ اطِّلاعِهم على التَّوراِة ومُقارنتها بما يُحدِّث به كعب:
فمُجازفة في القولِ، وغَفلةٌ من رشيدٍ عن أصلِ الإجماعِ الَّذي لا يجوز مخالفةُ حُكمِه باجتهادٍ شَخصيٍّ مُحتملٍ، فقد قال النَّووي عن كعبٍ: «واتَّفقوا على كثرة علمه وتوثيقِه» (¬٢).
ثمَّ الذَّهبي -وناهيك به إمامًا في معرفةِ الرِّجال- لم يذكرُه في كتابِ «ميزان الاعتدال»، مع أنَّه يذكُر فيه مَن تكُلِّم فيه -مع ثقتِه وجلالتِه- ولو بأدنى لِينٍ وأقلِّ تجريحٍ! (¬٣)
ولَئِن كان (رشيد رضا) قد استثنَى ممَّن انْطَلى عليهم كذبُ كعبٍ مِن علماء الحديث «مَن عُني عنايةً خاصَّةً بالاطِّلاع على كُتبِ العهد العتيق، والعهد الجديد عند أهل الكتاب، وعلى التَّواريخ المفصِّلة لأخبارهم، وقليل ما هم» (¬٤)؛ فإنَّ ابنَ كثيرٍ الدِّمشقي -بإقرارِ رشيدٍ نفسِه- «يعلمُ مِن حالِ كُتبِ أهلِ الكتابِ ما لم يكُن يَعلمُ أئمَّة الجرح والتَّعديل ممَّن فوقَه، كأحمد، وابن معين، والبخاريِّ، ومسلم، الَّذين لم يروا هذه الكتب كما رآها، ولم يَطَّلعوا على ما بَيَّنه المطَّلِعون عليها قبله، مِن تحريفها، وأغلاطها، ومُخالفتها لما انقطع به مِن أصولِ الإيمان بالله ورسوله .. إلخ، كابنِ حزمٍ وابن تيميَّة أستاذه» (¬٥).
---------------
(¬١) «النبوات» لابن تيمية (٢/ ١٠٥٢).
(¬٢) «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (٢/ ٦٨).
(¬٣) انظر مقدمة «ميزان الاعتدال» (١/ ٢).
(¬٤) «مجلة المنار» (٢٦/ ٧٣).
(¬٥) «مجلة المنار» (٢٦/ ٧١٦).

الصفحة 1761