كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

ويشهد لهذا التَّأويل للحديث: ما رواه القاضي إسماعيل بن إسحاق، عن المُطَّلبِ بنِ عبد الله التَّابعي (¬١) قال: إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يَكُن أَذِنَ لأحدٍ أن يمُرَّ في المسجدِ، ولا يجلس فيه وهو جُنبٌ، إلَّا علي بن أبي طالب، لأنَّ بيتَه كان في المسجد» (¬٢).
فإلى نحوِ هذا الجمَعِ بين أحاديث البابِ ذَهَب جمعٌ مِن الفقهاء، كالطَّحاوي (¬٣)، وأبي بكر الكلاباذي (¬٤).
أمَّا ابن كثيرٍ، فارتأى أنَّ ذاكَ النَّفيَ في حقِّ عليٍّ رضي الله عنه كان في حالِ حياتِه، لاحتياجِ زوجِه فاطمةَ إلى المرورِ مِن بيتِها إلى بيتِ أبيها، فكأنَّه جَعَله رِفقًا بها رضي الله عنها (¬٥).
وعلى كلٍّ؛ فبعد امتثال الصَّحابةِ رضي الله عنهم لذاك النَّهي النَّبوي، كأنَّهم استَبَقوا خوخاتٍ يَستقرِبون منها الدُّخولَ إلى المسجدِ للصَّلاةِ فقط، لكَّنهم أُمِروا بسَدِّها أيضًا إلَّا خوخةَ أبي بكرٍ، كونه أفضلَ النَّاس يَدًا عنده (¬٦)، وإشارةً إلى استخلافِ أبي بكرٍ رضي الله عنه، كونه يحتاج إلى المسجدِ كثيرًا دون غيره (¬٧).
وبصرَفِ النَّظَرِ عن التَّحقيقِ والاستدلالِ والبحثِ فيما يُؤيِّد قولَ مَن صَحَّح الحديثَ أو مَن أبطلَه، فقد أبنَّا عن أنَّه خَالٍ مِمَّا يَرمي إليه الرَّافضةُ مِن دعوى كِتمانِ البخاريِّ ومسلمٍ له، لِما يَزعمُونه فيه مِن استحقاقِ عليٍّ للخلافةِ دون غيره،
---------------
(¬١) المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومى المَدَنى، ثقة كثير التدليس والإرسال، من الطبقة الَّتي تلي الوسطى من التَّابعين، كان حيًّا سنة ١٢٠ هـ، انظر «تهذيب التَّهذيب» (١/ ١٧٩).
(¬٢) أخرجه القاضي إسماعيل في كتابه «أحكام القرآن» (ص/١٢٦، رقم: ١٣٨)، قال ابن حجر في «الفتح» (٧/ ١٥): «وهذا مرسل قوي، يشهد له ما أخرجه الترمذي، من حديث أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: لا يحلُّ لأحد أن يطرق هذا المسجد جُنبا غيري وغيرك».
(¬٣) في «شرح مشكل الآثار» (٩/ ١٩٠).
(¬٤) في كتابه «معاني الأخبار» (ص/١٤ - ١٦).
(¬٥) «البداية والنهاية» (١١/ ٥٧).
(¬٦) «الحاوي للفتاوي» للسيوطي (٢/ ٢٠).
(¬٧) انظر «البداية والنهاية» (١١/ ٥٧)، و «فتح الباري» (٧/ ١٥).

الصفحة 177