كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

فإنَّ غايته مُراعاةُ النَّبي صلى الله عليه وسلم لمَحَلِّ بيتِه رضي الله عنه أو زوجِه فاطمة، مع ما في أسانيدِه مِن نَظرٍ وكلامٍ كثيرٍ؛ والشِّيخان قد أخرجَا مِن مَناقبِ عليٍّ رضي الله عنه ما هو أجَلُّ وأجْلَى وأصَحُّ مِن هذا الحديث،، والله أعلم.
رابعًا: وأمَّا حديثِ: «أنا مدينةُ العلمِ وعَليٌّ بابُها»:
فكلُّ أسانيدِه إمَّا واهيةٌ أو مَسروقة على الصَّحيح، لا يَصلحُ شيءٌ منها للاحتجاجِ أو الاعتِضاد؛ وعليها قال أبو جعفر الحضرميُّ (ت ٢٩٧ هـ) (¬١): «لم يَروِ هذا الحديث عن أبي معاوية مِن الثِّقات أحدٌ، رواه أبو الصَّلت فكَذَّبوه» (¬٢).
فهذا الحديث -كما قال- ممَّا ابتَكَره أبو الصَّلت الهَرويُّ، والكَذَبَة على مِنواله نَسَجوا، حتَّى شنَّع عليه أحمدُ به، فكان يقول: «قبَّحَ الله أبا الصَّلت!» (¬٣).
وقال ابن عَديٍّ: «هذا الحديث مَوضوع، يُعرف بأبي الصَّلت، وقد رواه جماعةٌ سَرَقوه منه» (¬٤).
وقال ابن حِبَّان: «هذا شيءٌ لا أصلَ له، ليس مِن حديثِ ابن عبَّاسٍ، ولا مجاهدٍ، ولا الأعمش، ولا أبو معاوية حَدَّث به، وكلُّ مَن حدَّثَ بهذا المتنِ، فإنَّما سَرَقه مِن أبي الصَّلت هذا، وإن أقلَبَ إسنادَه» (¬٥).
والتِّرمذيُّ قد استنكَرَه أيضًا مِن حديث عليٍّ (¬٦)، ثمَّ نقَلَ استنكارَ البخاريِّ له (¬٧).
---------------
(¬١) محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، الملقب: بمُطَيَّن، الشيخ، الحافظ، محدث الكوفة، سئل عنه الدارقطني فقال: «ثقة جبل»، صنَّف (المُسند) و (التَّاريخ)، انظر «سير النُّبلاء» (١٤/ ٤١).
(¬٢) «تاريخ بغداد» (٨/ ٥٥).
(¬٣) «الموضوعات» لابن الجوزي (١/ ٣٤٥).
(¬٤) «الكامل» لابن عدي (١/ ٤٣٤).
(¬٥) «المجروحين» لابن حبان (٢/ ١٥٢).
(¬٦) «جامع الترمذي» (٥/ ٦٣٧).
(¬٧) «العلل الكبير» (ص/٣٧٤).

الصفحة 178