كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

وأمَّا تلميذه أبو الحُسين مسلم بن الحجَّاج النَّيسابوريُّ (ت ٢٦١ هـ) (¬١):
فردفُ شيخه إمامًا في الحديث بلا مُدافعة، بالغًا فيه الذَّروة؛ قد كان أبو زرعة وأبو حاتم الرَّازيان -على جَلالةِ قدرِهما في الحديث وإمامتِهما في العِلَل- يُقدِّمانِه في معرفةِ الصَّحيح على مَشايِخِ عصرهِما (¬٢)؛ يكفيك شاهدًا على هذه الجلالة كتابُه «المُسند الصَّحيح» (¬٣)، حيث انتخب أحاديثَه مِن ثلاثمائةِ ألفِ حديثٍ مَسموعة لديه مُدَّة خمس عشرة سنة (¬٤).
ومسلم -مع جلالته في هذا العلم- تلميذُ البخاريِّ وخرِّيجُه، قد كان يرفعُ شيخَه في هذا العلمِ على نفسِه؛ يُري النَّاسَ جِلسته «بين يَدَيْه كالصَّبيِ بين يَدَيْ مُعَلِّمِه» (¬٥)؛ فلا غروَ أن يكون صحيح البخاريِّ مُقَدَّمًا على كتابِه، فإنَّما بنى مسلمٌ صحيحَه عليه، فعَمِل عليه شِبْهَ مُستَخرَجٍ، وزاد فيه زيادات (¬٦).
ولقد سيقَ في الثَّناءِ على مسلمٍ وكتابِه جملةٌ صالحةٌ مِن مَدائح أهل العلم، «بحيث إذا قوبِلَت بما قيل في البخاريِّ وفي كتابِه، كانت مُكافِئةً لها، أو راجحة عليها» (¬٧)! فلقد حصَل له «في كتابِه حَظٌّ عظيمٌ مُفرطٌ لم يحصل لأحدٍ مثلِه، بحيث أنَّ بعضَ النَّاسِ كان يُفضِّله على صحيح محمِّد بن إسماعيل .. وقد نَسَج على مِنوالِه خلقٌ مِن النيَّسابوريِّين، فلم يبلغوا شأوَه؛ فسبحان المُعطي الوَّهاب!» (¬٨).
---------------
(¬١) انظر ترجمته في «تاريخ بغداد» (١٥/ ١٢١)، و «تاريخ دمشق» (٥٨/ ٨٥)، و «أعلام النبلاء» (١٢/ ٥٧٧).
(¬٢) «تاريخ بغداد» (٦/ ٤٣٠)، و «تاريخ دمشق» (٥٨/ ٩٠).
(¬٣) بهذا سمَّاه به صاحبه مسلم، كما نقله الخطيب في «تاريخ بغداد» (١٥/ ١٢١)، وصرَّح به الغسَّاني في كتابه «تقييد المهمل وتمييز المشكل» (١/ ٥٣)، وكذا ابن الصَّلاح في «صيانة صحيح مسلم» (ص/٦٧)، وبه سمَّاه الحاكم في عدة مواضع من «مُستدركه»، انظر مثلًا (١/ ٦٦، ١/ ١٦٢) منه.
(¬٤) «تذكرة الحفاظ» للذهبي (٢/ ١٢٦).
(¬٥) «الأربعين المرتبة على طبقات الأربعين» لابن المفضل المقدسي (ص/٢٩٠).
(¬٦) نقله ابن حجر عن الدَّارقطني في «النكت على ابن الصلاح» (١/ ٢٨٦).
(¬٧) «المفهم لمِا أشكل من تلخيص كتاب مسلم» لأبي العبَّاس القرطبي (١/ ٢٠).
(¬٨) «تهذيب التهذيب» (١٠/ ١٢٧).

الصفحة 21