كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

وقد تَنَّوعت مَطاعنُ (شيخِ الشَّريعةِ) في البخاريِّ و «جامعِه الصَّحيح» وتَباينت شُبهاته حوله حسبَ ترتيب أبوابِ كتابِه، حيث قسَّمَ مَوضوعاتِه إلى ثلاثةِ فصولٍ:
خصَّص الفصل الأوَّل: لإلزامِ البخاريِّ بأحاديث أغفلَها في فضائل عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذه أغلبُها لا ترتقي أصلًا إلى شرطِ البخاريِّ في الصِّحة، مثل حديث: «إنِّي تاركٌ فيكم ما إنْ تمسَّكتُم به لن تضلُّوا بعدي، أحدُهما أعظمُ مِن الآخر .. » (¬١).
أو يلزمه بما هو ساقط الإسناد مِن الأساسِ! كحديث: «عليٌّ بابُ حِطَّةٌ، مَن دَخل منه كان مؤمنًا، ومَن خَرَج منه كان كافرًا» (¬٢)!
أو يُلزِمه برَاوٍ مِن أهلِ البيتِ أهملَ ذِكرَه، أشهرهم جعفر الصَّادق، وذلك ليُثبت ما يدَّعيه مِن إضمارِ البخاريِّ لعداوةٍ لآلٍ البيتِ، فيسهُل عليه إسقاط اعتبارِ «صحيحِه» من قلب المُتشيِّع.
ولقد حَشا المؤلِّف فصلَه الأوَّل هذا بتهويلاتٍ كثيرةٍ، ودعاوي هائلةٍ، يستدعي بها قلَقَ القارئ، مِنها -مثلًا-: دعواه أنَّ شرطَ حُبِّ آلِ البيتِ الامتناعُ عن نقدِ أفرادهم بالمرَّة! (¬٣) وتحذيرُه مَن خَطَّأ فاطمةَ عليها السَّلام في طَلبِها الميراثَ بالكُفر (¬٤).
لكن ليتَه بقِي على هذا النَّفَسِ التَّكفيريِّ فلم يزِد عليه قُبحَ التَّدليسِ والفِرى! كنِسبتِه تصحيحَ بعض الأخبار الباطلة إلى أئمَّة السُّنة وهم من ذلك براء (¬٥)،
---------------
(¬١) أخرجه الترمذي (٥/ ٦٦٣، برقم:٣٧٨٨)، وقال: حسن غريب.
(¬٢) أورده الدَّيلمي في «الفردوس بمأثور الخطاب» (٣/ ٦٤)، وقال الذَّهبي: «هذا باطل، حسين الأشقر -راوي الحديث- واهٍ، قال البخاري: فيه نَظر»، انظر «لسان الميزان» (١/ ٥٣١).
(¬٣) انظر «القول الصُّراح» (ص/٥٢).
(¬٤) انظر «القول الصُّراح» (ص/٥٧).
(¬٥) كقوله (ص/٢٦): « .. وما تواتر في كتب الفريقين، من قول النَّبي صلى الله عليه وسلم: «مثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نَجا، ومن تخلَّف عنها هلَك»؛ وهذا الحديث لا يُعرف له إسناد صحيح، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يُعتمد عليها، كما بيَّنه الذهبي في «المنتقى» (ص/٤٧٦).

الصفحة 212