كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

وتعريجِه على سيرةِ البخاريِّ بما لا يخلو مِن لمزٍ في شخصِه، وطعنٍ في عَقيدتِه، والكذب عليه بنسبةِ القولِ بخلقِ القرآن إليه (¬١).
وأمَّا الفصل الثَّاني: فانتقى فيه ثلاثَ عشرة روايةً مِن «الجامع الصَّحيح»، ادَّعى أنَّها كذب، أكثرها مُتعلِّق بمقامِ النُّبوة، لم يُخلِها مِن ثلبِ بعضِ الصَّحابة، حتَّى فارَ فائِرُه فيها على ابن تيميَّة لنُصرته السُّنة ونقَلتها.
وقد أكثر المؤلِّف في هذا الفصلِ النَّقلَ عن كُتب أهلِ السُّنة وشروحِهم للأحاديث، إيغالًا منه في تثبيت شُبَهِه في قلب المُغفَّل، بعضها مَحضُ تلبيسٍ وقلبٌ للحَقائقِ، ما يلبثُ القارئ اللَّبيب أن تنكشِفَ له عند استبراءِ مَراجِعه الَّتي يُحيل إليها، لتُظهر كذبَه في الإحالات.
وبعضُها الآخر: الإشكالُ واقعٌ منه -بادئَ الأمر- حقيقةً، لكنْ لا يُحتاج في كشفهِ إلَّا إلى سِعة اطِّلاعٍ مِن القارئ على الرِّوايات، مع حُسنِ استعمالٍ لعلومِ الآلةِ حتَّى تتفكَّكَ الشُّبهة وتندحِضَ تِباعًا، وأهل الحديثِ قد أدَّوا ما عليهم في هذا الباب على أكملِ وجه.
مثال ذلك في هذا الفصل: ما أخرجه البخاريُّ عن ابن عبَّاس رضي الله عنهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أحَقَّ ما أخذتُم عليه أجرًا كتابُ الله» (¬٢).
فقال (شيخ الشَّريعة) مُتعقِّبًا إيَّاه: «هذا الخبر مَرويٌّ عن عائشة -أيضًا- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عَدَّه ابنُ الجوزي في «الموضوعات»، وأدرجها في الأحاديثِ الموضوعةِ والرِّواياتِ المَكذوبة!
قال: روى عمرو بن المخرم البصريُّ، عن ثابت الحفَّار، عن ابن مليكة (¬٣)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسبِ المُعلِّمين، فقال: «إنَّ أحقَّ ما أُخِذ عليه الأجرُ كتابُ الله». قال ابن عَدي: لِعمرٍو أحاديث
---------------
(¬١) انظر «القول الصُّراح» (ص/٧٣).
(¬٢) أخرجه البخاري (ك: الطب، باب: الشرط في الرقية بقطيع من الغنم، رقم:٥٧٣٧).
(¬٣) كذا في كتاب الأصبهانيِّ، والصَّواب: ابن أبي مليكة.

الصفحة 213