كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

والَّذي تُحصِّله مِن جملة ما تطالعه من ترجمةِ هذين الإمامين: أنَّهما بحقٍّ في الحديثِ فَرَسا رِهانٍ، وأنْ ليس لأحدٍ بمُسابَقَتِهما ولا مُساوَقَتِهما يَدَان! قد تَمَّ لهما في كتابَيهما أوفرُ النَّصيبَيْن، وانعقدَ الإجماعُ على تَلقيبِهما بـ «الصَّحِيحَيْن»؛ فجزاهما الله عن الإسلام أفضلَ الجزاء، ووَفَّاهما مِن أجرِ مَن انتفَعَ بكِتابَيهما أفضلَ الإِجزاء.
فلمَّا كان للشَّيخينِ هذه القَدَم الرَّاسخة في التَّحديث، وكان لكِتابَيهما الحظوةُ العُظمى فوق كلِّ مُصَنَّف في الحديث، توجَّه إليهما بالعداوة مَن في صدرِه حرجٌ مِن السُّنَة، لعلمِهم بأنَّ نَقضَهما نَقضٌ لسَائِر دواوينِ الحديثِ تَبعًا، وأنَّ إسقاطَ المنهجِ النَّقديِّ الَّذي ابتنياه عليه إسقاطٌ لمنهج المُحدِّثين رأسًا.
فاسمع أحدَ أعدائِهما يُحرِّض عليهما الدَّهماءَ فيقول: «إنَّ استبعادَ أيَّ حديثٍ في البخاريِّ، يعني استبعادَ عشرة أحاديث موضوعةٍ موجودةٍ ومُثبتةٍ في كتبِ السُّنة الأخرى! وبعضها أسوأُ بكثيرٍ ممَّا جاء في البخاريِّ وأكثر انتشارًا؛ إنَّ استبعادنا لأحاديث أقوى منها، يستتبِعُ بالتَّبعيَّةِ استبعادَها، وسيُمهِّد عَمَلُنا هذا الطَّريقَ لأنْ يأتي بعدنا مَن يَتَقصَّى كتبَ السُّنة الأخرى، ويُجهز على البقيَّةِ الباقية» (¬١).
وأشاح آخرُ عن وجهِ تقصُّدِه لنقضِ صرحِ هذين الكِتابين، بأن قال: «أصبحَ صحيح البخاريِّ وصحيح مسلم مَدار العقائد عند أهل السُّنة، وهذه الأمور هي الَّتي دَعَتْنا إلى البحثِ والتَّنقيبِ في الصَّحيحين، وكشفِ حقيقتِهما وماهيَّتِهما» (¬٢).
بل صرَّحَ رافضيٌّ آخرُ بنتيجةٍ أخطَر تَعقُب استهدافَ «الصَّحيحين»، حيث بَشَّرَ أهلَ مِلَّتِه «بأنَّ هذين الكِتابين إذا سَقَطا، لم يبقَ لأهلِ السُّنة إلَّا اتِّباعَ مَذهبِ الشِّيعةِ الإماميَّة»! (¬٣)
---------------
(¬١) «تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث الَّتي لا تلزم» لجمال البنَّا (ص/١٣).
(¬٢) «أضواء على الصَّحيحين» لصادق النَّجمي (ص/٦٠ - ٦١).
(¬٣) وهذه النَّتيجة الَّتي خَتَم بها محمَّد تقي الصَّادقي القسمَ العاشرَ من كتابه «الشِّيعة في ميزان صَحيحي أهل السُّنة»، طبع دار الصَّادقين للنَّشر - بيروت.

الصفحة 22