كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

فأمَّا ما أحالَ إليه المؤلِّف في «هُدى السَّاري» لابن حجر، فعند الرُّجوعِ إليه نجده خاليًا مِمَّا أفادته عبارَته! فإنَّما ذكَرَ ابن حَجرٍ في هذا الموضع من كتابه الرُّواةَ المُتكَلَّمَ فيهم بأدنى كلامٍ وفيهم الثِّقات، لا المَفروغَ مِن ضَعْفِهم (¬١)! ولا يلزمُ مِن مُجرَّد كلامِ أحدٍ في راوٍ، تحُّققَ كلامِه فيه من حيث الواقِع، ومَعروفٌ أنَّ الشَّيخين قد يُخرجان لمِن فيه كلامٌ في مَواضع مَعروفة، تبيَّن لهما صِدقه في ما رَواه؛ هذا إن لم يكن الرَّاوي في رأيِهما ثابت العدالة والضَّبط (¬٢).
ثمَّ قول المؤلِّف في موضعٍ آخر من فصلِه هذا: «إنَّ الأحاديث غير الصَّحيحة والضَّعيفة، يبلغُ عددُها فوق ما عَدَّه ابن حَجرٍ كما نقل عنه الحُفَّاظ، حيث قال: إنَّها لا تَتَجاوز المائةَ وعشرة أحاديث، ضعيفةٌ مِن جهةِ المتنِ» (¬٣):
هو نقلٌ مَشحونٍ بالكذبِ، فإنَّ الَّذي ذَكَره ابن حجر عِدَّةَ الأحاديث الَّتي أعَلَّها الدَّارقطني وبعضُ العلماءِ مِن جِهة أسانيدِها، مع الإجابةِ عن ذلك كُلِّه أو أكثره (¬٤)؛ فإنَّه ذكَرَ الأحاديثَ الَّتي انتقِدت على الشَّيخين، فقَسَّمها أقسامًا، جلُّها مُتعلِّق بصناعةِ الإسنادِ، ولا تَمسُّ المتونَ بسوءٍ، لا كما تَقوَّله المؤلِّف، وعَزَاه مَيْنًا للحافظِ (¬٥).
وأمَّا الفصل الخامس: فخصَّصه (النَّجميُّ) للطَّعنِ في أحاديثِ الصَّفاتِ الإلهيَّةِ الَّتي أخرَجاها، فجرى في مِضمارِ المُعتزلةِ في إنكارِها لرؤيةِ الله تعالى يومَ القيامة، وأنكرَ معها كثيرًا مِن الصِّفاتِ الذَّاتيةِ الخَبريَّة، ثمَّ عرَض لمُعتقدِ الإماميَّة في هذا الباب من الاعتقاد؛ لكَأنَّما تقرأُ فيه عَقْدَ القاضي عبد الجبَّار الهمداني!
---------------
(¬١) انظر «هدى الساري» (ص/٣٨٤)، ونكت ابن حجر على «مقدمة ابن الصلاح» (١/ ٢٨٧).
(¬٢) انظر تفصيلها في «التنكيل» للمعلمي (١/ ٤٥٨)، وللزيلعي في «نصب الراية» (١/ ٣٤١ - ٣٤٢) تحقيق جيد في إخراج البخاري ومسلم للرُّواة المتكلم فيهم.
(¬٣) انظر «أضواء على الصحيحين» (ص/٩٠).
(¬٤) انظر مقدمة «فتح الباري» (١/ ٣٤٦).
(¬٥) انظر «هدى الساري» (ص/٣٤٧).

الصفحة 225