كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

وتلك مَحكمةٌ رُوسِيَّةٌ تَتَريَّة، أصدرت قبل بضع سَنواتٍ حُكْمًا يُصنِّف «صحيح البخاريِّ» ضمنَ الكُتبِ المُتطرِّفة المَحظورة! بدعوى «أنَّ أحاديثَه مُثيرةٌ للكَراهيَّةِ العِرْقيَّةِ والدِّينيِّة، ومَنَعَت تَداوُلَه» (¬١).
بل والمَلاحِدة الصُّرحَاء! لم يتركوا «الصَّحيحين» لحالِهما شأنًا خاصًّا بالمُسلمين، حتَّى زاحموا مَن مَضى ذكرُهم على رَميِ سهامِ التَّشكيك صوبَهما؛ كحالِ (إسماعيل أدهم) (¬٢) المُجاهر بإلحاده بعد إسلامه، حيث أطلق دعوى عريضةً في حقِّ الصَّحيحين، يتَّهم مرويَّاتهما بأنَّها «ليست ثابتةَ الأصولِ والدَّعائم، بل هي مَشكوك فيها، ويغلبُ عليها صِفةُ الوَضع!» (¬٣).
الأعجبُ مِنه: غلامٌ مُلحد (¬٤) يخرج مِن بَلدِ الأزهرِ في تسجيلٍ مَرئيٍّ، انتشرَ على وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ انتشارَ النَّار في الهَشيم؛ يُبشِّر الغِرُّ فيه المُسلمين بانقضاءِ عهدِ البخاريِّ؛ فلقد حَشَر أنفَه فيما لا يفهَم، فأتى بطَوامٍ عن البخاريِّ وسيرتِه بما لم يُحسِن فيه نُطقَ اسمِه كاملًا نُطقًا سليمًا!
فوا أسَفي على كثرة مَن يغترُّ بمثل هذا الكذوب من مُراهقي الفكر في أيَّامنا النَّحسات؛ ترى أحدَهم مُتذبذبًا بين مواقع الشَّبكاتِ، فارغَ القلبِ، مهزوز النَّفس، قابلًا للتَّشكيكِ في ثوابتِ أمَّته، في علمِ الصَّحابةِ رضي الله عنهم وأئمَّةِ العلمِ، في نَسْفِ جهودِ الأمَّة عبر تاريخها المديد، لمُجردِّ دقائقِ معدودةٍ قضاها في استماعِ مثل هذا السَّفه!
---------------
(¬١) انظر الخبر على جريدة «سَبْق» الإلكترونية السعودية، بتاريخ ١٨ ذو الحجة ١٤٣٥ هـ.
(¬٢) إسماعيل بن أحمد باشا أدهم: شُعوبيٌّ، عارف بالرياضيات، له اشتغال بالتاريخ، تركي الأصل، وأمه ألمانية، وُلد بالإسكندرية، وتعلم بها وبالأستانة، ثم أحرز (الدكتوراه) في العلوم من جامعة موسكو سنة ١٩٣١، وعاد إلى مصر سنة ١٩٣٦ فنشر رسالة بالعربية «من مصادر التاريخ الإسلامي» صادرتها الحكومة، وكتابا وضعه في (الإلحاد)، وقد وُجد مُنتحرًا بالإسكندرية سنة ١٩٤٠ م! انظر «الأعلام» للزركلي (١/ ٣١٠).
(¬٣) نقله عنه د. محمود الطَّبلاوي في بحثه المُسمَّى «الدفاع عن السنة النبوية وطرق الاستدلال» ضمن «مجلة البحوث الإسلامية» (٢٨/ ٣٠٢)، وانظر «السنة ومكانتها في التشريع» لمصطفى السباعي (ص/٢٣٧).
(¬٤) يُدعَى (جابر شريف)، له قناة معروفة على موقع «اليوتيوب» باسمه.

الصفحة 24