كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

أهذا إنسان يحترم عقْلَه؟! أمَا كان الأجدَرَ بمثلِه أن يخلعَ لبوسَ الغُرورِ والاعتداد بعقله قبل أن يَتعَلَّم -هذا إن تَواضَع وقَبِلَ التَّعلُّم-؟ فإنَّ هذا الغرورَ الَّذي فَشا في شَبابِنا اليوم، فأباحَ لهم الكلامَ في كلِّ شيءٍ، هو حقًّا كالخَمْرَةِ! قد غيَّبت عقولَهم عن رؤيةِ الحقائق والتَّريُّثِ في استصدارِ الأحكامِ.
لكنْ لا والله ما رأيت هؤلاء المَلاحِدة يتجرَّؤون على أن يَسخروا جِهارًا بالصَّحيحين، أو يَستَفِزُّوا المُسلمِين بشَتْمِ الشَّيخين كما رأيته من بعض مَن يَنسِب نفسَه إلى الإسلامِ، بل إلى العلمِ الشَّرعيِّ! خطيبِ مُعمَّمٍ يُلزقُ نفسَه الأمَّارةَ بالأزهر، يجهر بكلِّ قِحةٍ على قنواتِ الإفك بقوله: «إنَّ البخاريَّ مَسْخَرةٌ لا مَفْخَرة» (¬١)! لكن الأزاهِرةُ الشُّرفاء مِن مثل هذا الدَّعِيِّ بَراءٌ، بل والمِصْرِيُّون الأفاضل كلُّهم، فقد نَبَذوه بخِزْيٍ في آخرِه نَبْذَ الحِيَضِ (¬٢).
الأدْوَى عندي مِمَّا مَضى؛ أن أرى عَدْوى الاستطالةِ على «الصَّحيحين» تفشو بين المُنتَسِبين للسُّنَّةِ أنفسِهم، تحت وَطْأةِ الضُّغوطِ النَّفسيَّة، والإِرجافِ الأَثيم الَّذي يُجابِهُ أَهل السُّنة، بوَصفِهم بِشِنَعِ التَّعيِير، وسَيِّئِ الألقابِ؛ من مثلِ رَمْيِهم بالتَّخلُّفِ، والرَّجعيَّة، وعبادةِ البخاريِّ، والبَداوَةِ الفكريَّةِ، والنُّصوصيَّةِ، والظَّلامِيَّةِ، والسَّلفَوِيَّة، والأصوليَّة .. إلخ تلك الشِّنَعِ الفَجَّةِ، والأَوصافِ الأثيمَةِ، التي أَجلبَ بها أَهلُ الأَهواء على السَّائرين على السَّنَنِ الأَبْينِ في الاعتقادِ والسُّلوك، ورَاوَدُوا بها أَهلَ الحقِّ عن اعتقادِهم المُنبعِثِ عن يقينٍ بصِحَّةِ أصولهِم.
فكان مِن جرَّاء هذه الوطأةِ الأثيمة، أَنْ وَقَعَ في شِراكِ إِجْلابهم فِئامٌ، وصُرِعَ في زَوْبعةِ خَوضِهم أَقوامٌ؛ اقتَضى بيانَ أنَّ ذلك الإِجلابَ إنَّما هو جَوْلةُ باطلٍ، متى لَقِيَ في طريقِه الحقائقَ تكتنفُها البراهين زالَ واضْمَحلَّ.
---------------
(¬١) أعني به محمد عبد الله نصر، المعروف بالشَّيخ ميزو! انظر جريدة «اليوم السابع» المصرية، عدد: الأحد، ١٠ أغسطس ٢٠١٤ م، و «جريدة الوفد» المصرية، عدد: الجمعة، ٠٨ أغسطس ٢٠١٤ م.
(¬٢) حتَّى أعلن قريبًا في منشور له على (الفيسبوك) عن توبته من السَّير على نهج الحداثيِّين في تفريغ الدِّين من لُبابه، وأنَّ منظَّمات غربيَّة كبرى سَعَت في رشوته ليُكمل هدمَه للدِّين كما كان، لكنَّه رفض!

الصفحة 25