كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

ولولا أنَّ الحقَّ لله ورسولِه، وأنَّ كلَّ ما عَدا الله ورسوله فمَأخوذٌ مِن قولِه ومَتروك، وعُرضَةٌ للوَهمِ والخطأِ، لمَا اعترَضْتُ في هذا البحثِ على مَن لا ألحقُ غُبارَهم، ولا أجري معهم في مِضمارهم مِن بعضِ علماء عصرِنا ودُعاته الفُضلاء مِمَّن نَقَدْتُّهم في هذا البحث، فبيَّنتُ بعضَ خطلِهم في تعليلِ ما هو أصيلٌ في الصِّحة.
فوالله إنِّي لأتعقَّبهم في بعضِ تلك الهَنات، وإنِّي لأراهم فوقي في أعلى المَقاماتِ، ومَنازل السَّائرين كالنُّجومِ اللَّامِعات؛ فمعاذَ الله أن أسوِّيهم بالمُبتدعة الضُّلال المُناوئين للأحاديث النَّبويَّة! غير أنِّي رأيتُ القدحَ في الصِّحاحِ ليس أمرًا هَيِّنًا، والذَبَّ عنها لازِمًا مُتعيِّنًا؛ على سَنَن الحكماءِ في أنَّ «حِراسةَ العِلْمِ، أوْلى مِن حِراسةِ العالِم» (¬١).
فإنَّ في السُّكوتِ عن مثلِ أولئك الأفاضِل إجلالٌ، نعم؛ لكن خيانةٌ للعلم! فلم يكُن بدٌّ «مِن وجودِ نِيَّةِ تَتَبُّعِ السَّقْطاتِ والأخطاءِ في هذا المجالِ، بل لعلَّه مُثابٌ صاحبُه عليه، لأنَّه مُنافَحةٌ عن الحقِّ» (¬٢).
أَهمية الموضوعِ، ودوافعُ اختيارِه:
فلأجل ما تَقَدَّم سَوقُه مِن مَخاطر تُحدق بالسُّنةِ عبر استهدافِ «الصَّحيحين»، رأيتُ مِن واجبِ الوقتِ، وحَقِّ الدِّيانةِ: النُّهودَ إلى مُراغَمَةِ تلك الأَهواءِ المُضَلِّلةِ، والفِتَنِ المُتماحِلةِ؛ بِنُصرةِ السُّنَن الهادِيات، ودفْعِ ما يُعارضُها مِن شُبَهِ المَعقولاتِ، وإِزهاقِ ما يُناقضها مِن أَغاليطِ السَّفسطات، وتقويم مَن زلَّ فيها مِن ذَوي الهَيئات.
فإنِّي لازلتُ -بفضلِ الله تعالى- مُذ قَرَّت عَيْني بسلوكِ طريقِ العلم ودُروبِ الإصلاح على ثَلَجٍ من أنَّ الفاشلَ في تأمينِ حدودِه الفكريَّة، هو لتأمينِ حدودِه الجُغرافيَّة أفشلُ! وأنَّ حمايةَ الثُّغورِ العَقَديَّةِ والفِكريَّةِ الَّتي يُحاصِرُها الأعداءُ، خَيرٌ
---------------
(¬١) «البصائر والذخائر» لأبي حيَّان التَّوحيدي (٩/ ٢٠).
(¬٢) «نُقل النَّديم» لمحمد الأمين بوخبزة (ص/٦ مخطوط).

الصفحة 26