كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

فما عَليَّ مِن حَرجٍ في هذا المبدأِ أنْ استصحبه في ثنايا البحث، فإنَّ «الخُلوَّ مِن المُسلَّماتِ في أيِّ مَجالٍ أمرٌ مُتعذِّر» (¬١)، و «كلُّ العُلومِ لا بُدَّ للسَّالكِ فيها ابتداءً مِن مُصادراتٍ يأخذها مُسَلَّمةً، إلى أنْ تَتبَرْهنَ فيما بعدُ» (¬٢).
وبِهذا الَّذي تَقدَّم جميعُه، أستطيع أن أُجلِيَّ أَهمِّيةَ الموضوعِ المَطروقِ في هذا البحث في الأمورِ التَّالية:
الأول: أنَّ في دراسةِ هذا الموضوعِ إعلاءً للسُّنَّةِ، وإحْلالًا للتَّعزيرِ لها والتَّعظيمِ مكانَ الرَّدِّ لها والتَّحطيم، ودَفْعًا في صدورِ الَّذين يَتناولون سُنَّة المُصطفى صلى الله عليه وسلم ومُصنَّفاتِها بِنَفَسٍ مَشُوبٍ بمَرضِ التَّجهيلِ والتَّعطيلِ.
فكان هذا البحث تحقيقًا لهذه النُّصرةِ، وحِياطةً لمَعاقِل الاعتقادِ ودلائل الشَّريعةِ مِن أنْ تُكَدَّر بما هو في حقيقتِه أَجنبيٌّ عنها، محبَّةً منِّي في مُعايشةِ السُّنةِ والتَّفيُّؤِ بظِلِّها الوارِف، والتَّشرُّفِ بالذَّودِ عنها، وسَوْءِ مَن أرادَ حدِيثَها بسُوءٍ، على قولِ الحُميديِّ -شيخِ البخاريِّ-: «والله لأَنْ أغزُوَ هؤلاء الَّذين يَردُّون حديثَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أحبُّ إليَّ مِن أنْ أغزُوَ عِدَّتَهم مِن الكُفَّار!» (¬٣).
وفي هذا البحثِ مِن السَّابغاتِ الرَّادِعاتِ عن حِمى السُّنة، ما أرجو أن أبلُغَ به نزرًا يسيرًا من هِمَّةِ الحُمَيديِّ (ت ٢١٩ هـ)، يقينًا منِّي بـ «أنَّ بيانَ العِلمِ والدِّينِ عند الاشتباهِ والالتباسِ على النَّاسِ، أفضلُ ما عُبِدَ الله عز وجل به» (¬٤).
الثاني: دَفْعُ عجَلةِ الرُّقيِّ الحضاريِّ للأُمَّةِ عامَّة؛ فإنَّه مَتى اطمأنَّت القلوبُ بسَلامةِ ما انعقَدَت عليه، انبعَثَتْ الجوارحُ إلى إِعمارِ الأَرضِ على وِفقِ ما يُرضِي الله تعالى؛ ذلك أنَّه «متى زاغَت العقائدُ، كانت أَعمالُ صاحبِها بمَنزلةِ مَن يَرْمي عن قَوسٍ مُعوَجَّةٍ، أو يَرمي برُمحٍ غيرِ مُستقيم» (¬٥).
---------------
(¬١) «بؤس الدَّهرانية» لطه عبد الرَّحمن (ص/٣٢).
(¬٢) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢/ ٦٩).
(¬٣) «ذم الكلام وأهله» للهروي (٢/ ٧١) بتصرف.
(¬٤) «الرَّد على السُّبكي في مسألة تعليق الطَّلاق» لابن تيميَّة (٢/ ٦٧٨).
(¬٥) «الدَّعوة إلى الإصلاح» لمحمد لخضر حسين (ص/١٢١).

الصفحة 28