كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

وفكرِه، مَن عَرف فِكرَ المُخالفين كما يعرفُ فِكرَ المُآلِفين، كي لا تشتبِه عليه السُّبُل.
فكذا كان الأمر معي! فإنَّ هذا البحثَ -بفضل الله- ممَّا قد زادَني الله به هُدًى وإيمانًا بصِحَّةِ أصولِ أهلِ السُّنةِ، إذ «أنَّ فسادَ المُعارِضِ مِمَّا يُؤيِّد معرفةَ الحقِّ ويُقوِّيه، وكلُّ مَن كان أعرفَ بفسادِ الباطلِ، كان أعرفَ بصِحَّةِ الحقِّ» (¬١).
السابع: التَّحذيرُ مِن أنَّ وقوعَ الطَّعنِ فيما هو في أَعلى مَراتبِ الصِّحةِ مِن الأخبارِ النَّبوية، مُمثَّلًا ذلك في «الصَّحِيحَين»، مُؤْذِنٌ بخَطَرٍ عظيمٍ على مَعاقِد الدِّين وأُصولِه، ودليلٌ على شِدَّةِ انحرافِ الخائِضين فيهما، وعدمِ مُبالاتهم بما هو في مَنأى عن الطُّعونِ عند علماءِ الأمَّة.
الثامن: وجودُ مَن يبعثُ الحياةَ في رُفاتِ هذه الوَساوِس على «الصَّحيحين» في عَقدِنا هذا؛ باتِّخاذِ قنواتٍ شَتَّى، ووسائلَ عديدةٍ؛ مِمَّن يَتربَّعون على كراسي التَّدريسِ في الجامعات، أو يتَصدَّرون برامجَ الإرشادِ في القَنوات بخاصَّة، ومِن أشدِّ ذلك كيْدًا: تَوافُر نَفَرٍ مِن الطَّاعنين على مَشَاريعَ تُبذَل فيها أَعمارُهم، وتُقضَى فيها أنفاسُهم، وتُحقَرُ فيها مَلذَّاتُ الدُّنيا في سبيلِ تفكيكِ الدِّين وهَدمِه.
الآلَم مِن ذلك: اتخاذُ الجامعاتِ مَسَاجدَ ضرارٍ لتفريغِ هذا الفِكر الماديِّ، مُتمثلًا ذلك بسِلسلةٍ مِن الأَطاريحِ الجامعيَّة الَّتي يُشرِف عليها أولئك المُستغرِبون، مُتناولةً السُّنةَ وعلومَها بأَقلامٍ حِدادٍ، حتَّى أضْحَت نَهْبًا لهذا الفريقِ المَسلوبِ، الخائضِ بهَوًى جامحٍ، وشَكٍّ مُغْرِقٍ.
ومع أنِّي قد ذكرتُ أنَّ كثيرًا مِن مُعارضاتِ المُعاصرين مسوخٌ عن شبهاتِ الأقدمين، لكنَّها تتجدَّد في هذه السَّنوات الخدَّاعات بتنوُّع مواردها في شتَّى الصُّور! حيث استدعى أصحابُ الغارة على السُّنة علومًا أخرى، كعلوم التَّاريخِ والطَّبيعة والطِّب والفَلَك، وسائرِ العلومِ الحديثة؛ فكان واجبًا على المُتِّبع المُنافح عن دينِه تجديد النَّظر في شُبهاتهم، لتجديد الرَّد عليها وبيانِ زيْفِها.
---------------
(¬١) «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (٥/ ٢٥٨).

الصفحة 30