كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

التاسع: أنَّ استعانةَ المُعترضين على السُّنَن بهذه العلومِ الحديثة، استدعى منِّي نَظرًا آخرَ يَنضافُ إلى ما سَبَق مِن أَنظارِ العلماءِ السَّالِفين، وتسلُّحًا بمُعطياتِ العلوم الإنسانيَّة والتَّجريبيَّة المختلفةِ، وفي هذا توسيعٌ لمَداركي المَعرفِيَّة الحديثة، بما يجعلُني مُواكبًا لعصري، فاهمًا لتَحدِّياتِه، حَلَّالًا لمُشكلاتِه.
فضلًا عن كونِ هذه المُعارضاتِ لأحاديث «الصَّحيحين» لا تتعلَّق بمَوضوعٍ محدودٍ بعَينِه، فرِماحُ شُبهاتِها مُسلطة على أحاديثِ التَّفسير، والعقيدة، والفقه، وغيرها مِن علوم الشَّريعة، مِمَّا تَطَّلب مِنِّي فهمًا جيدًا لهذه العلوم، وإلمامًا مَقبولًا بمُصَنَّافتِها، مَطبوعِها ومَخطوطِها.
فكان هذا النَّجيز -وإن بَدا للوهلةِ الأولى مُتخصِّصًا في الحديثِ وعلومِه- قد عالجتُ فيه لزامًا مِن علومِ الشَّريعةِ الأخرى وأصولِ فقهِها ولُغتِها، والعلومِ المنطقيَّة والتَّجريبيَّة، ما أمكنني به رَدّ الإشكالاتِ عن دَلائلِها.
وهذا مَكسبٌ لي أيّ مَكسب! فلقد حملني مِن مَضايِق التَّخصُّصاتِ الجُزئيَّة إلى فسيح المَعارِف الشُّموليَّة؛ ولا ريبَ «أنَّ الانتقال من فنٍّ إلى فنٍّ أقدر على البحث وأسلطُ، والانتقال من نوعٍ إلى نوعٍ أنشطُ للمُطالعة وأبسط، ولا يُصلح النَّفسَ إذا كانت مُدبرةً إلَّا التَّنقُّل من حالٍ إلى حالٍ» (¬١).
العاشر: ليس هُناك -بحسب اطِّلاعي- مَن قامَ بمُعالجةِ المُعارَضاتِ الفكريَّةِ المُدَّعَاة على أحاديثِ «الصَّحيحين» على جهةِ الخصوصِ، في دراسةٍ جامعةٍ مُتقنةٍ، تتَّسِم بالإيعابِ إلى حَدٍّ ما؛ فكلامُ أَهلِ العلمِ في هذا البابِ الخاصِّ بالكِتابينِ نُتَفٌ مُتفرِّقةٌ في مَنَاجِمِ زُبُرِهم، وأُمَّاتِ أَسفارِهم.
ومع تحقُّقي بما قرَّره الجُوينيُّ (ت ٤٧٨ هـ) من أنَّ «على كلِّ مَن تَتَقاضاه قَريحتُه تأليفًا، وجمعًا، وتَرْصيفًا، أنْ يجعلَ مَضمونَ كتابِه أمرًا لا يُلْفى في مَجموعٍ، وغَرَضًا لا يُصادَف في تَصنيفٍ» (¬٢).
---------------
(¬١) «الضياء المعنوي على مقدمة الغزنوي» لابن ضياء الصاغاني (مخطوط ق ٢ - أ/ب).
(¬٢) «غياث الأمم» للجويني (ص/١٦٤).

الصفحة 31