كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

يُصَوِّبون فيه خَطَلي، ويُقوِّمون فيه زَلَلي، فلا عدِمناهم -حفظهم المَولى، وبارك فيهم-.
وكنتُ مُتردِّدًا أوَّل أمري في كيفيَّةِ نقدِ تلك المُعارضاتِ المُترامِيةِ على «الصَّحيحين» بين الإيجازِ فيها والإطناب، إذْ كان في كلٍّ منهما مَحامِد، ولكلٍّ فيها مَقاصد؛ ففي الإيجازِ تأليفُ النُّفوس، وفي الإطنابِ توسيعُ دائرةِ الفوائد!
لكن صَدَّني عن التَّوسيعِ والتَّكثيرِ، خشيةُ التَّنفير والتَّأخير.
فأمَّا التَّنفير: فلأنَّه يُمِلُّ الكاتبَ والمَكتوبَ له، والمُتطلِّع إلى رؤيةِ البحث، والوقوفِ عليه، «مع أنَّ القليلَ يكفي المُنصِفَ، والكثيرَ لا يكفي المُتعَسِّف» (¬١).
وأمَّا التَّأخير: فلأن التَّوسيعَ يحتاجُ إلى تمهيلِ عَرائِس الأفكارِ، حتَّى يستكملَ البحثُ الزِّينة، ومُطالعةِ نفائسِ الأسْفارِ الحافلةِ بالأنظارِ الرَّصِينَةِ والنُّقولاتِ المَتينة؛ وقد شارفَتْ مُدَّة تحضيري لهذا البحث على الانتهاء! فمِنْ أين يَتأتَّى جمعُ كلِّ ذلك أو يتهيَّأ لي، وأنا بريفِ المغرب؟!
فَتَمَصَّصْتُ مِنْ بَلَلِ أفكاري برَمَق، وتوجَّهتُ إلى معارض الكُتب أقتني ما لزمني مِن مَراجع تَعِزُّ في بَلدي ممَّا لم أجِده مُصَوَّرًا على الشَّبكة، إذْ كانَ كثيرٌ من مَطبوعات الطُّعون في الصَّحيحين نادرَ الوجودِ عندنا في المغرب -ولله الحمد-! حتَّى استقرأت منها الشَّيءَ الكثير على مكرهةٍ!
وإنِّي لأحبُّ أن أعلِمَ القارئ الكريم: إن كان قد استكثر صفحات هذا الكتاب؛ فإنَّه بحثٌ أكاديميٌّ مُتخَصِّص، «أردتُّ جهدَ طاقتي أنْ يكونَ تفصِيليًّا؛ قد يَعيبُ هذا عَليَّ مَن يُخالفني في ذلك، ويُوافِقُني عليه آخرون، وعُذرِي في هذا التَّفصيل: أنَّني أكتبُ للمُتَتبِّعين والمُتخَصِّصين، وأنَّني أريدُ تمهيدَ الجادَّةِ لِمن يأتي بعدي، فيرغبُ في التَّأليف في هذا المَوضوع» (¬٢)، حتَّى يكونَ كتابي له شِبهَ
---------------
(¬١) «الرَّوض الباسم» لابن الوزير (١/ ١٥).
(¬٢) من مُقدمة (جواد علي) لكتابه «المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام» (١/ ٦) بتصرف.

الصفحة 38