كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

ذلك المُسلمَ الغَيورَ لم يَطعَن في صِحَّة هذا الحديثِ كِتابةً، إلَاّ لعِلمِه بأنَّ تصحيحَه مِن المَطاعِن الَّتي تُنفِّر النَّاسَ عن الإسلام، وتكون سَببًا لرِدَّة بعضِ ضعفاءِ الإيمان، وقِليلي العلمِ» (¬١).
فهذا قد رأى نفسَه مُضطرَّةً لدفعِ هذا الحديثِ في نحرِه، لمعنى مُنكر انقدح في ذهنِه، من غير أن يدريَ أنَّ ما تَعجَّل إليه مِن إنكارٍ آخرُ مَرحلةٍ يبلُغها النَّاقد الحصيف في مُعالجةِ مُشكلاتِ النُّصوص! و «لعلَّه لو أنصَفَ وتَأمَّل، وبحَثَ، لَعَلِم أنَّ مَعنى الحديثِ ليس كما فَهِم، وأنَّه فَرَضَ عليه معنًى مِن عنده، لم يجِئْ به قرآنٌ ولا سنَّة، ولا ألزَمَت به لُغة العَربِ، ولا قال به عالمٌ مُعتَبَر مِن قبلِه» (¬٢)، أو يكون الأصل الَّذي عارض به الحديثَ مَدخولٌ غير مُسَلَّمٍ.
ولكنَّه لعَجزِه عن توْفِيَةِ هذا المَسلك النَّقديِّ حَقَّه مِن النَّظرِ المتدرِّج، مع سابق هيمنةٍ للثَّقافةِ الغربيَّة على نمطِ تفكيرِه! آثَرَ رَدَّ الثَّابت عند أهل العلم، مستعملًا شتَّى الدَّعاوي العقليَّة لتسويغِ ذلك.
الشَّاهد مِن هذا التَّوصيفِ: أنَّ هذا الطَّاعنَ في الحديث الصَّحيح، إنَّما دخلت عليه مادَّة اشتباهٍ في متنِه، ترَامى إلى ذهنِه منه معنًى باطلٌ، فأدَّاه هذا الاشتباه إلى الإشكال عليه، ثمَّ أدَّاه الاستشكالُ إلى الاستنكار!
وبهذا تتبيَّن العلاقة بين الاشتِباه والاستشكال، كما يظهر في التَّالي:
---------------
(¬١) «مجلة المنار» (٢٩/ ٣٧).
(¬٢) «كيف نتعامل مع السُّنة النَّبوية» ليوسف القرضاوي (ص/٥٣).

الصفحة 52