كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)
المَبحث التَّاسع
خطأ تطبيق «النَّقدِ الدَّاخليِّ» لمنهج الغربيِّ على تاريخِ السُّنة
مِن هنا يظهر غلط المُستشرقين ومَن قلَّدهم في تطبيقِ المنهج التَّاريخيَّ المُتَمَعقِلِ على تاريخِ السُّنة النَّبويَّة، مِن جهةِ: كونِه إجماليًّا لا يُثمِر نتائجَ دقيقةَ؛ ومِن جِهة: افتقادِ العاملين به للخِبرةِ بتاريخِ السُّنة النَّبوية الَّذي يُراد انتقاده؛ مع الإضرابِ عمَّن ينظر منهم إلى النُّبوَّةِ عبر مِنظارٍ فكريٍّ عَدائي، وما يَكتنف كتاباتِهم من خطايا منهجيَّة في النَّقدِ (¬١).
فحين يستصحب الغَربيُّ هذه الحمولةَ الفكريَّة في دراستِه للسُّنة، يتَوهَّم بعد استقراءٍ ناقصٍ لدواوينِها، وتتبُّعٍ عَيِيٍّ لتواريخها، ونظرٍ مُستَكِثرٍ لكُتبِ رجالها: أنَّ منهج المحدِّثين -على خلافِ مَنهجِهم- مَيَّالٌ إلى النَّقد الخارجيِّ دون الدَّاخليِّ، نزَّاع إلى الأشكالٍ دون المَضامين.
ومِمَّا يعَزِّز هذا الاعتقاد الفاسد في نظره: وقوفه على أحاديثَ صحيحةِ الإسناد استشكلَها عقلُه، فيعتقد اختلاقَها مِن قِبَل المُتفقِّهة المسلمين، ليُشرِّعوا بها بعضِ الاتِّجاهاتِ السِّياسية وقتهم، أو بغيًا على بعضِ الطَّوائف المخالفة لأهل السُّنة؛ فيقول: كان حَقُّ مثل هذه المُنكراتِ أن تُطوى ولا تُروى؛ فإذْ لم
---------------
(¬١) انظر كشف شيءٍ من هذا الزَّيف في «العيوب المنهجيَّة في كتابات المستشرق شاخث المتعلقة بالسنة النبوية» لخالد الدريس، و «نقدات المستشرق الألماني هولدموتسكي لبعض النظريات الاستشراقية حول السنة النبوية» لأحمد صنوبر.