كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

يقول: « .. وقد حَصَل بإهمالِ ذلك، والعدول عنه مِن الضَّلال والعُدول عن الصَّواب، ما لا يعلمه إلَّا الله، بل سوء الفهم عن الله ورسولِه أصلُ كلِّ بدعةٍ وضلالةٍ نَشَأت في الإسلام، بل هو أصل كلِّ خطأٍ في الأصول والفروع، ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد! فيتَّفق سوءُ الفهم في بعض الأشياء مِن المَتبوع مع حُسن قصدِه، وسوءُ القصدِ مِن التَّابع، فيا مِحنة الدِّين وأهلِه! والله المستعان» (¬١).
وسُوء الفهم الَّذي نعنيه هنا ينقسِمُ إلى قِسمين، أو يشمل نِطاقَين:
الأوَّل: غَلَطٌ في فهمِ الحديثِ المُعارَض.
والثَّاني: غَلَطٌ في فهمِ الأصلِ المُعارَض به.
القِسم الأوَّل: الغلط في فهمِ الحديثِ المُعارَض:
وذلك أنَّ كثيرًا مِن النَّاسِ يُشكِلون على أحاديث لا يَفهمونها على وَجهِها، فيَحملونها على غير مُرادِ المُتكلِّم بها، ومِن ثَمَّ يُعارِضونها بدليلٍ آخرَ مُخالفٍ في حقيقتِه لفهمِهم ذاك للحديث؛ فتارةً يكون سوء الفهمِ هذا لغرابةِ اللَّفظِ في المتنِ، وتارةً لاشتباهِ المعنى بغيرِه، وتارةَّ لعدمِ التَّدبُّر التَّام، وتارةً لشُبهةٍ في نفسٍ الإنسانٍ تمنعه مِن مَعرفةِ الحقِّ (¬٢).
وعليه، كان من أعظمِ أسباب انحسارِ هَيبةِ الأخبار النَّبويَّة في القلوب، وتوليدِ المُعارضات عليها إحدى فاقِرَتين:
الأولى: إمَّا سُقمٌ في فقه دلالات الحديث، فينشأ لدى الغالِط معنًى شائِهٌ، يكون لازمُه مُعارضة البراهين القطعيَّة، ويكون سبب ذلك:
أن يَقع النَّاظر في الحديث في مَزلَّةِ التَّجزيءِ في القراءة والتَّعضية للنَّص، وذلك -مثلًا- بأن يَقرأ حديثًا ويُغفل آخر، أو يقرأ شطرًا من الحديث ويترك بعضَه.
---------------
(¬١) «الروح» (ص/٦٢ - ٦٣).
(¬٢) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١٧/ ٤٠٠).

الصفحة 62