كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)
جُمهان، عن سفينة رضي الله عنه، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم: «هؤلاء الخلفاء بعدي» (¬١).
فبيَّن البخاريُّ تفرُّدَ (حشرج بن نَباتة) بهذا الحديث، وأنَّه مِن أوهامِه باستنكاره لمتنِه، ولأجله أدخلَ حشرجًا في «الضُّعفاء (¬٢) «! يقول: «وهذا حديث لم يُتابع عليه؛ لأنَّ عمر بن الخطاب وعليَّ بن أبي طالب قالا: «لم يستخلف النَّبي صلى الله عليه وسلم» (¬٣).
فهذا الحديث لفظه صريحٌ في النَّص النَّبويِّ على خلافةِ أبي بكر رضي الله عنه ثمَّ صاحبيه مِن بعده، والثَّابت المعروفُ أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف تصريحًا (¬٤).
والبخاريُّ إذا أطلق «نفيَ المتابعة» على متنٍ من المتونِ، فالعادة أنَّه يريد به ردَّ الحديث (¬٥).
وأمَّا مثال هذا البابِ عند مسلم:
فما رواه (¬٦) من طريق أبي معاوية محمَّد بن خازم، عن هشام، عن أبيه، عن زينب، عن أمِّ سلمة:
«أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرها أن توافي معه صلاة الصُّبح يومَ النَّحر بمكَّة» (¬٧).
---------------
(¬١) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٣/ ١٠٣، رقم: ٤٥٣٣)، وابن أبي عاصم في «السنة» (١/ ١٩٨)، والحارث في «المسند» (٢/ ٦٢١ - بغية الحارث).
(¬٢) انظر العلل المتناهية لا بن الجوزي (١/ ٢١٠)، و «ميزان الاعتدال» للذهبي (٢/ ٣١٠)، وأراد ابن حجر أن يتوسط بين تضعيف البخاري لحشرج وتوثيق أحمد وابن معين له فقال في «التقريب» (ص/١٦٩): «صدوق يهِم».
(¬٣) وذكر البخاري هذا أيضا في «تاريخه الكبير» (٣/ ١١٧)، وفي «تاريخه الأوسط» (١/ ٣٣٦).
(¬٤) كما في «صحيح البخاري» (ك: الأحكام، باب: الاستخلاف، رقم: ٧٢١٨)، و «صحيح مسلم» (ك: الإمارة، باب: الاستخلاف وتركه، رقم: ١٨٢٣)، وانظر في هذه المسألة تفصيلا متينا لابن تيمية في «منهاج السنة» (٦/ ٤٤٣ - ٤٥٦).
(¬٥) انظر «الأحاديث التي قال فيها الإمام البخاري (لا يتابع عليه) في التاريخ الكبير» (ص/٣٦٧).
(¬٦) في «التَّمييز» (ص/١٢١).
(¬٧) أخرجه أحمد في «المسند» (٤٤/ ٩٦، رقم: ٢٦٤٩٢)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٩/ ١٣٩، رقم/٣٥١٨)، والطبراني في «المعجم الكبير» (٢٣/ ٣٤٣، رقم: ٧٩٩).