كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

الحديثِ، لأنَّه يجوز أنَّ القولَ بأنَّ ذلك تأويلُه قولٌ باطِلٌ، وأنَّ ذلك المتأوِّلَ إنمَّا صارَ إليه لقُصورِه في العِلمِ.
وإنَّما يُحكَم برَدِّ الحديثِ، متى علِمنا أنَّه لا تأويلَ له صَحيحٌ، وأنَّه لا يدخل في مَقدورِ أحدٍ مِن الرَّاسخين أن يَهتدِي إلى معنى لطيفٍ في تأويلِهِ، ولكنَّ العلمَ بهذا صعبٌ عَزيزٌ، والدَّليل على صعوبتِه:
أنَّ النَّاظرَ في الحديثِ لا يخلو: إمَّا أن يكون مِن الرَّاسخين في العِلم، الَّذين قيل: إنَّهم يعلمون التَّأويل، أم لا.
إن لم يكُن منهم: فليس له أن يَحكُم بقُصورِهم وعجزِهم عن تأويلِه، لأنَّه لم يرتَقِ إلى معرفةِ التَّأويل الصَّحيح، ومَن لم يعرِفِ الشَّيء، كيف يحكُم بنفيِه أو ثبوتِه؟! وما أمَّنه أنَّه موجودٌ؟ لكن لعدمِ مَعرفتِه له جَهِلَهُ.
وأمَّا إنْ كان النَّاظر في الحديث مِن الرَّاسخين: فإنَّه أيضًا يجوز عليه أن يجهَل التَّأويل» (¬١).
فإذا كان مِن هؤلاءِ الرَّاسخين في علومِ الشَّريعةِ، الغائِصين في بحارِ التَّأويل -كما يقول- مَن قد يتبادر إلى ذهنِ أحدِهم معنى باطل مِن الحديث، فيَعجزُ عن فهمِه على وجهِه الَّذي أرادَه منه قائله صلى الله عليه وسلم، ويَعجزُ عن إيجادِ ما يُوائم الحديث مِن معنى مَقبول، فلا يُعفِيه عِلمُه الرَّسيخ أن يُبادِرَ إلى ردِّ الحديثِ؛ فكيف بمِن كانت سِلعَتُه في علوم الوَحيِ بائرةً؟! لا يَفتأُ يُنكِر الصِّحاحَ بنفسٍ جائِرةٍ، وفَهمٍ سَمِجٍ جعلَه هو ظاهرَ الحديثِ؟!
وما أكثرَ ما يكون هذا الخَطلُ في أحاديث العَقائدِ، والمُتعلِّقة بصِفاتِ الله تعالى وأفعالِه بخاصَّة.
---------------
(¬١) «العواصم والقَواصم» (٨/ ٢٦٢ - ٢٦٣).

الصفحة 64