كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

يقول ابن فورك (ت ٤٠٦ هـ) (¬١):
«ما اتَّفقَ أهلُ النَّقلِ على صِحَّته، وانتشَرَ فيهم، ولم يوجد له مُنكرٌ ولا مُفسِد، وذلك نحو حديثِ الرُّؤيةِ، ووَصفِ الله باليَدِ والنُّزولِ، وما جَرى مَجراه: فهذا البابُ مُنتشرٌ مُشتهرٌ لا دافع له، بل الكلُّ مِن أهلِ النَّقلِ مُجتمعون على صِحَّته، ولا يَطعنُ عليه إلَّا مُبتدعٌ يَرى رأيًا فاسِدًا، يَتَوهَّم أنَّه إذا قيل ذلك أدَّى إلى تشبيهِ الله عز وجل بخَلقِه!
وقد قُلنا: إنَّه لا طريق لأحدٍ إلى إنكارِ الخَبرِ لأجلِ ما يتَوهَّمه مِن الفسادِ في معنى متنِه، وإنَّما يَتَطرَّق إلى إبطالِه بما يرجعُ إلى سَندِه: بكونِهِ مُنقطعًا، أو بأن يَرويه مجهولُ العدالة، أو مجروحٌ ظاهرُ الأمرِ في الكذب.
فأمَّا ما يَتَوهَّمه مُبتدعٌ -بفسادِ رأيِه، ونقصِ معَرفتِه- أنَّ ذلك يُؤدِّي إلى الكذبِ، مِمَّا يُنزَّه بالله سبحانه عنه، فلا يَبطُل الخبرُ بمثلِه، ولا يَبقى إلَاّ الكشفُ عن فسادِ ما يَتَوهَّمه، وإبانةُ وجهِه على الصِّحة، مِن حيث لا يؤدِّي إلى تشبيهٍ ولا إلى تعطيلٍ» (¬٢).
فكانت على ذلك الإبانة عن النَّظرةِ المُهترئة إلى ظواهرِ الأحاديثِ في علاقتها بالبراهين العقليَّة والعِلميَّة عند المُخالفين، تُحتِّم الكشفَ عن حقيقةِ العلاقةِ الاتِّساقيَّة بين دلالةِ العقلِ والعلمِ وبين هذه الظَّواهر، فنقول:
أوَّلًا: العَلاقة التَّوافقيَّة بين ظواهر النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ، وبراهينِ العقلِ القطعيَّة:
العلاقة بين العقل وبَراهين العلمِ، وبين ظواهرِ النُّصوصِ عند المُخالفين لأهلِ السُّنة والجماعةِ، علاقةٌ تؤول -في الحقيقةِ- في كثيرٍ مِن حالاتِها إلى غايةٍ
---------------
(¬١) محمد بن الحسن أبو بكر ابن فورك الأصبهاني: شيخ المتكلِّمين، الأصولي، الأديب، النحوي، الواعظ، يحتذي معتقد الأشعري، أخذ عن أبي الحسن الباهلي تلميذ أبي الحسن الأشعري، بلغت تصانيفه في أصول الدين وأصول الفقه ومعاني القرآن قريبا من المئة، منها: «شرح مشكل الحديث»، و «التفسير»، انظر «الأعلام» (٦/ ٨٢).
(¬٢) «مشكل الحديث» لابن فورك (ص/١٦ - ١٨).

الصفحة 65