كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 2)

المسكين جرَّاءها من مشقَّة نفسيَّة لتشنيعِ العامَّة عليه، فلا يجد ما يشفي به غيضَه إلَّا أنْ يعذل أهل الحديث أنْ كانوا السَّبب في صدِّ العامَّة عن سبيل «الصَّحيحين» وغربلتهما من جديد.
يقول أحد هؤلاء الَّذين أُشربت قلوبهم بُغضَ حُرَّاس الشَّريعة: «علماء الحديث المُعاصرون كُسَالى عن التَّنقيبِ والبحثِ، ومَرعوبون مِن فكرةِ تنقيحِ أحاديثِ البخاريِّ! برغم أنَّه قد رَفَض مَن قبلَهم أئمَّةٌ ورجال دينٍ مُستنيرون بعضَ أحاديث البخاريِّ، لتَعارُضها مع العقل» (¬١).
وقبله (أبو ريَّة) في عجيبةٍ من مُستهجنات كتابه المتكاثرة، يتوسَّل باتِّفاقِ العلماءِ على مشروعيَّةِ نقدِ الأخبارِ على وجه العموم، لردِّ ما اتَّفقوا على قَبولِه من أخبار على وجه الخصوص! تجده يُغالط القُرَّاء بهذا التَّناقض قائلًا: «لا يَتوَهمنَّ أحَدٌ أنِّي بِدْعٌ في ذلك، فإنَّ علماءَ الأمَّة لم يأخذوا بكلِّ حديثٍ نَقَلته إليهم كُتب السُّنة، فليَسَعْنِي ما وَسِعَهم!» (¬٢).
دعْ عنك عَريضَ الوِسادِ هذا؛ وانظُرْ إلى قامةٍ جليلةٍ مِن قاماتِ الدَّعوة والأدب الإسلاميِّ؛ إلى (محمَّد الغزالي السَّقا) في كتاباتِه النَّقديِّة للمرويَّات؛ كيف تَلمَّحُ منها حرصَه على إفهامِ قارِئِيه بأنَّ إنكارِه لِما أنَكر من صِحاحِ الآثار، ما هو فيه إلَّا مُتَّصِلَ الإسناد بنقداتِ مَن مَضى مِن أهل العلمِ، غير شاردٍ عن منهجِهم في نقد ما يستوجب النَّقد.
يقول في ذلك: «إنَّنا نلتزم بما وضعه أئمَّتنا الأوَّلون، ولا نفكِّر في البُعد عنه، كلُّ ما لَفَتنا النَّظرَ إليه، أنَّ الشُّذوذَ والعِلَل في متونِ الأحاديثِ يَتَدخَّل فيها الفقهاء إلى جانبِ الحُفَّاظ، وقد تَدخَّلوا فِعلًا في الماضي، وجَدَّ في عَصرِنا ما يَستدعي المزيدَ مِن البحثِ والاستقصاء» (¬٣).
---------------
(¬١) «وهم الإعجاز العلمي» لخالد منتصر (ص/٤٢).
(¬٢) «أضواء على السُّنة المحمدية» (ص/٢٥ - ٢٦).
(¬٣) «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/٢٠٢).

الصفحة 656