كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 2)

فهذه المسوِّغات التَّي يقدِّمها هؤلاء الكُتَّاب المُعاصرين للطَّعنِ في الصِّحاح -وإن كانت من بعضهم عن حسن قصدٍ، لا على سبيل التَّحيُّل- لم تكُن وَليدَة النَّكبة الفكريَّة المعاصرِة قطُّ، بل قديمة قِدَم الفِرَق المُجافية للسُّنة والجماعة؛ الَّذين إذا راعَهَم أمرُ حديثٍ نَبويٍّ لمخالفتِه لشيءٍ ممَّا يقولون به -وإن كان مَبنيًّا على مجرَّد الظَّن- بادروا لتكذيبِه، والحكمِ بوَضعِه، أو نفيِ صحَّةِ رَفعِه، وإن كان إسنادُه خاليَّا عن كلِّ علَّةٍ؛ وإن ساعَدَهم الحالُ على تأويلِه على وجهٍ لا يُخالف أهواءَهم بادروا إلى ذلك، وهو خير أحوالهم.
فهذا نهج الاعتزال ومَن حَذا حذوَه في التَّمعقُل على النُّصوص، وإلي أربابِه نسبةُ مَن «نَسَبوا رُواة ما أنكروه مِن الأحاديثِ إلى الاختلاقِ والوَضعِ، مع الجهلِ بمَقاصد الشَّرع، والمُجامِلون منهم اكتَفوا بأنْ نَسَبوا إلى الرُّواةِ الوهمَ والغَلطَ والنِّسيان، وهو ممَّا لا يخلو عنه إنسان، وقالوا: إنَّ المُحدِّثين أنفسُهم قد رَدُّوا كثيرًا مِن أحاديثِ الثِّقاتِ بناءً على ذلك» (¬١).
ولِمن يَعترضُ على أحاديثِ «الصَّحيحين» بسَبقِ الأئمَّةِ إلى ذلك مَآربُ أخرى غير مسألة استحلال نقد الصِّحاح في نظر العامَّة، من أبرزها:
إقناعُ النَّاس بأنَّ في ما يذكرونه من نَقداتِ العلماء المتقدِّمين للصَّحيحين خرْمًا لِما يَدَّعيه أهل السُّنة مِن إجماعٍ على صِحَّة ما في الكتابين! وإكذابًا لدعوى تَلقِّي الأمَّة لهما بالقَبول.
بل نجد مِن الطَّوائف البدعيَّة مَن يستكثر النَّقلَ عن نُقَّاد أهل السُّنة في تعليلهم لأحاديث «الصَّحيحين»، قِيامًا بالحُجَّةِ على أهلِ السُّنةِ -بزعمهم- بكلام علماء السُّنة أنفسِهم!
وباستحضار هذا المَقصد، تفهمُ سببَ اقتصار (سعيد القَنوبيِّ) العُمانيُّ على سَرْدِ نقداتِ أهل السُّنةِ لما فيِ «الصَّحيحين»، دون أن يجلب كلام طائفته في هذا المقام من الرَّد، مُعلِّلًا ذلك لمُريدِيه الإباضيَّةِ بقوله: «أرَاني مُضطَرًّا لذكرِ كلامِ
---------------
(¬١) «توجيه النَّظر» لطاهر الجزائري (ص/١٩٣) بتصرف يسير.

الصفحة 657