كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 2)

طائفةٍ مِن العلماءِ مِن أصحابِ المَذاهبِ الأربعةِ، أو مِمَّن يَعترفُ الحَشْويَّة (¬١) بآرائِهم، ويُكثِرون مِن نقلِ كلامِهم، حول وجودِ بعضِ الأحاديثِ الضَّعيفةِ في الصَّحِيحَين أو أحدهِما» (¬٢).
وعلى نفس هذا الأسلوبِ مشى (إسماعيل الكرديِّ) في مقدَّمة كتابه، تمهيدًا لتقبُّل نفوس قارئيه لعبثه في الكتابين، فلذلك قال: «أَتَيتُ بهذا الكتابِ، الَّذي كانت مُعظم اقتباساتِه ونقودِه الَّتي تَنقد البخاريَّ ومسلم مُوجَّهةً مِن الأئمَّةِ الأربعة ومِن تلاميذهم، ومِمَّن هم مَرجعٌ وثِقةٌ لهم بالذَّاتِ، أي لتلك الفئةِ المُتشبِّثةِ بالماضي .. » (¬٣).
وكان مِن دَهاءِ بعض هؤلاءِ، أنْ أمعنوا في الاستشهاد بعلماءَ مُعاصِرين مُشتغِلين بالحديثِ وتخريجِه خاصَّة، لهم رأيٌ في بعضِ أحاديثِ «الصَّحِيحين»؛ أبرزُهم حسب تتبُّعي لكتاباتهم في هذا الشَّأن خمسة: محمَّد رشيد رضا، ومحمَّد زاهد الكوثري، وأحمد وأخوه عبد الله الغُماريَّان، وناصر الدِّين الألباني (¬٤)؛ فقد كانوا أحرصَ على نقلِ كلامِ هؤلاء مع من مَضى من المتقدِّمين، لغايةِ إقناع الجماهيرِ بأنَّ بابَ النَّقدِ للكتابينِ لم يُغلَق بعدُ ولن يُغلَق، وأنْ لا مَزيَّة لهؤلاءِ المُعاصرين عليهم، فكلُّهم باحثون على الحقيقة أبناءُ عَصرٍ واحدٍ!
فهذا أوان الشُّروع في تزييف هذه الدَّعاوي المُسوِّغات لمِا نراه من عبثٍ بدواوين أهل السُّنة، وذلك منِّي ببيانِ طبيعةِ تعليلاتِ المُتقدِّمين لما في
---------------
(¬١) الحشوية: مصطلح قديم تنبز به المعتزلة ومن تأثَّر بهم أهلَ السُّنة، لأنَّهم يجُرون آيات الله تعالى على ظاهرها ويعتقدون أنَّها مرادة، و «لكثرة روايتهم للأخبار، وقبولها ما وَرد عليها من غير إِنكار»، انظر «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص/١٣٦)، و «شمس العلوم» لنشوان الحميري (٣/ ١٤٥٢).
(¬٢) «الطوفان الجارف» لسعيد القنوبي (٣/ ١/٥٩)، وانظر أيضًا كتابه «السَّيف الحاد» (ص/٨٣).
(¬٣) «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» لإسماعيل الكردي (ص/٨).
(¬٤) انظر أمثلة الاستشهاد بهؤلاء المعاصرين في «تجريد البخاري ومسلم» (ص/٢٥ - ٢٩) لجمال البنا، و «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» لإسماعيل الكردي، وكذا في عدد من الصُّحف المصريَّة ذوات التَّوجه اللِّبرالي، كصحيفة «المصري اليوم»، في مقالها الذي نشرته بتاريخ ٦ أبريل ٢٠١٥ م، بعنوان: «أشهر اثني عشر عالما إسلاميًّا انتقدوا البخاري!».

الصفحة 658