كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

واحدةٍ، تنصِبُ (العقلَ المَدْخول) حَكَمًا في فهمِها؛ ذلك أنَّهم كثيرًا ما يجعلون المعنى الفاسدَ هو الظَّاهرَ مِن الدَّليل السَّمعي، فيتسلَّطون بذا عليه إمَّا:
بالتَّأويل، طلبًا لأنْ تكون معاني ما دَلَّت عليه البراهين الشَّرعيَّة مُوافقةً لُمرادِهم وأصولهِم، لا لمُراد المُتكلِّم بها أصالةً (¬١).
وإمَّا برَدِّه جُملةً إن لم يُسعِفهُم تأويلُه، بدعوى أنَّ ظاهرَه مُناقضٌ لمُقرَّرات العقلِ ومُسلَّمات الواقع.
وعلى مثل هذا المهيع جرى الفَخرُ الرَّازي (ت ٦٠٦ هـ) (¬٢) في مَقاماتِ التَّعارض بين ظواهر النُّصوصِ والعقليَّات، بحيث «يقطَعُ -بمُقتضى الدَّلائلِ العقليَّةِ القاطعةِ- بأنَّ هذه الدَّلائل النَّقليَّةُ إمَّا أن يُقال: إنَّها غير صحيحةٌ، أو يُقال: إنَّها صحيحة، إلَاّ أنَّ المُراد منها غير ظواهِرها» (¬٣).
وجاء بعده السَّنوسي (ت ٩٨٥ هـ) (¬٤) وتبِعَه الصَّاوي (ت ١٢٤١ هـ) (¬٥) ليعُدَّا التَّمسُّكَ بظواهرِ الأدلَّةِ النَّقلية مِن أصولِ الكُفرِ! كما تراه في قول الاخير: «أصولُ الكفرِ والبدعةِ سبعةٌ .. منها: التَّمسُّك في عقائدِ الإيمانِ بمُجرَّد ظواهرِ الكتابِ والسُّنة، مِن غير عَرضِها على البراهينِ العقليَّة، والقواطع الشَّرعيَّة» (¬٦).
---------------
(¬١) «التَّدمرية» لابن تيمية (ص/٦٩).
(¬٢) محمد بن عمر التَّيمي البكري، أبو عبد الله، فخر الدين الرَّازي: مُتكلِّم مُفسِّر، أوحد زمانه في المعقولات وعلوم الأوائل، قُرشي النَّسب، ومولده في الرَّي وإليها نسبتُه، أقبل النَّاس على كتبه في حياته يتدارسونها، وكان يحسن الفارسيَّة، من تَصانيفه: «مفاتيح الغيب» في التَّفسير، و «أساس التَّقديس» في العقائد، انظر «تاريخ الإسلام» (١٣/ ١٣٧).
(¬٣) «أساس التَّقديس» للرازي (ص/٢٢٠ - ٢٢١).
(¬٤) محمد بن يوسف السنوسي: فقيه مالكي من فقهاء تلمسان في عصره، من تصانيفه: «عقيدة أهل التوحيد»، ويُسَمَّى «العقيدة الكبرى» و «أم البراهين»، انظر «شجرة النور الزكية» (١/ ٢٦٦).
(¬٥) أحمد بن محمد الصَّاوي الخلوتي أبو العباس: فقيه مالكي متصوف، تلقَّى العلم في الأزهر، من تصانيفه «الفرائد السنية على متن الهمزية»، و «حاشية على تفسير الجلالين»، انظر «شجرة النور الزكية» (١/ ٣٦٤).
(¬٦) قاله في «شرحه على جوهرة التَّوحيد» (ص/٢٤٩)، و «حاشيته على تفسير الجلالين» (٣/ ٩)؛ وانظر ردَّ محمد الأمين الشَّنقيطي على الصَّاوي عبارته هذه في «أضواء البيان» (٧/ ٢٦٦).

الصفحة 66