كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 2)

وفي تقريرِ هذا الموقف من مالكٍ، يقول أبو العبَّاس اليَزْلِيتي -المشهور بِحْلُولو- (تبعد ٨٩٥ هـ): «أمَّا مسألة الولوغ: فلم يُسقِط فيه العملَ بالخبرِ، بل حَمَل الأمرَ فيه على النَّدبِ، لمُعارضته للقياس (¬١)، فهو مِن بابِ الجمعِ بين الدَّليلين، لا مِن بابِ تقديمِ القِياس» (¬٢).
الحديث الثَّاني:
أخرج الشَّيخان مِن حديثِ ابن عمر رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المُتبَايِعانِ كلُّ واحدٍ منهما بالخيار على صاحبِه، ما لم يَتفرَّقا، إلَّا بيع الخِيار» (¬٣).
فينقُل ابن القاسم عن شيخِه مَالك قوله: «البَيعُ كلامٌ، فإذا أَوْجَبا البيعَ بالكلامِ، وَجَبَ البيع، ولم يكُن لأحدِهما أن يَمتنعَ ممَّا قد لَزِمه» (¬٤).
وبيان المُخالفة عند مالكٍ في هذا: مَنعُ تَعليقِ البيعِ على الجهالةٍ، وهذا الحديث قد أثبتَ خيارَ المجلسِ، والمَجلسُ مَجهولُ المدَّةِ مِن وجهةِ نَظرِ مالكٍ، وعليه قال عَقِب الحديث: «ليسَ لهذا عندنا حَدٌّ مَعروف، ولا أمرٌ مَعمولٌ به فيه» (¬٥).
يقول الشَّاطبي في شرحِ هذا عن مالكٍ: « .. إشارةٌ إلى أنَّ المجلس مَجهول المدَّة، ولو شرَطَ أحدٌ الخيارَ مُدَّةً مجهولةً لبطَلَ إجماعًا؛ فكيف يَثبتُ
---------------
(¬١) المقصود بالقياس هنا: القواعد والأصول المقررة شرعًا، لا القياس بمفهومه الأصوليِّ، وهو إطلاق مستعمل عند كثير من العلماء، انظر «أصول فقه الإمام مالك - أدلته النقلية» لعبد الرحمن الشعلان (٢/ ٧٩٣).
(¬٢) «التوضيح في شرح التنقيح» لحلولو (ص/٣٣٣).
(¬٣) أخرجه البخاري في عدة مواضع من «صحيحه»، منها في (ك: البيوع، باب: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، برقم: ٢١١١)، ومسلم في (ك: البيوع، باب: ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، برقم: ١٥٣١).
(¬٤) «المدونة» (٣/ ٢٢٢)، وانظر «الموطَّأ» (ك: البيوع، باب: بيع الخيار، ٢/ ٦٧١).
(¬٥) «المدونة» (٣/ ٢٢٢)، وانظر «الموطَّأ» (ك: البيوع، باب: بيع الخيار، ٢/ ٦٧١).

الصفحة 697