كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

ونحن -بدَوْرِنا- نسألُ هذا الفَهيم قائلين: متى كان سيظهر تكذيبُ الواقعِ لمثلِ هذا الخَبر الَّذي تحمِله على فهمِك هذا؟
فلا بدَّ أن يقول: مثلُ هذا الأمرِ الجَليِّ الواضحِ في المخالفةِ للواقعِ، لابدَّ أن يكون قد ظَهَر لِمن قَبلنا بداهةً، وتحديدًا بعد هَرمِ الغُلامِ ومَوتِه، يعني بعد مائةِ سنةٍ على موتِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، وذلك على أقصى تقدير.
فنقول له: قد وَجَدنا المُحدِّثين مع ذلك يُصحِّحون هذا الحديث، ولو بعد مرورِ هذه المُدَّة الَّتي ذكرتَ! فقد رَواه التَّابعون وأتباعُهم في كُتبِهم، ولا يزال علماء الإسلامِ يتناقلونه من ذاك الوقتِ إلى يومِنا هذا، مع ظهورِ كذبِه للأعمى كما تَدَّعي!
فلا يبقى لنا في الحكمِ على هؤلاء المُحدِّثين حسبَ فهمِك إلَّا أحدُ احتمالين:
أوَّلهما: إمَّا أنَّهم مجانين كلُّهم! يُصحِّحون ما يَظهرُ كذبُه لأغبى الخليقةِ، ويَلحقُهم في هذا الجنونِ عَوَام المسلمين، حين أقرُّوا عُلماءهم على تلك الغَباوة المُفرطة، وصدَّقوهم في مثل هذه الأخبار.
وثانيهما: أنَّهم لم يجدوا في هذه الأخبارِ ما يُخالف الواقعَ بحالٍ! فلذلك قَبلوها.
فظنِّي بهذا المُعترض -إن كان مُنصفًا- أنَّه مهما خالفَ البخاريَّ ومُسلمًا وسائر أهل الحديث في منهج النَّقد، فإنَّه لن يَبلُغَ به الشَّطَط في الخصومةِ أن يعتقد فيهم الجنونَ والتَّغابي إلى هذه الدَّرجةِ مِن البَله.
فعليه أن يُقرِّر لزامًا: أنَّ لهؤلاء تفسيرًا للحديثِ يَدفعُ ما فهمه من مُعارضته للشَّرع والواقعِ؛ فلينظُر إذن في تفسيرِهم للحديثِ، ثمَّ لينقُده بعدُ إذا شاءَ أن يَنقُد، لكن لا يحِقُّ له بحالٍ أن يَتوهَّم في مَن صَحَّح الحديث مِن سادات الأمِّةِ، أنَّهم كانوا في غفلةٍ عمَّا ينقِمُه هو وأمثالُه من مُتعجِّلة من مُشكل الحديث.

الصفحة 73