كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

بل خبر آحاد مَظنونٌ، فتُقدَّم الآية عليها لأنَّها قطعيَّةٌ من جهة تواترها، وجِهة دلالتها القطعيَّة.
الثَّاني: أن لا يُمكن الجمع بين القرآن والسُّنة، أمَّا إذا أمكنَ الجمع بينهما، فإنَّه لا يحلُّ لأحدٍ أن يدَّعي التَّعارض، ويعرض عن سُنَّة المُصطفى صلى الله عليه وسلم» (¬١).
والحاصِلُ: أنَّ هذا المَسلك في مُقابلةِ الأحاديثِ بالقرآنِ -لا شكَّ- مَسلكٌ وَعِرٌ، يُحذِّر العلماء مِن الولوغ فيه من غير سَنَدٍ علميٍّ متين، إذْ ليس «كلُّ النَّاسِ يَقدِرُ أن يَعرضِها على القرآنِ، فيعرِفَ ما وافَقَه منها ممَّا خالَفه، إنَّما ذلك إلى الفقهاءِ، العُلماءِ، الجهابذة، النُّقادِ لها، العارِفين بطُرقها ومَخارجها» (¬٢).
وبهذا تَعلمُ غَلَطَ مَن توسَّع في هذا البابِ مِن بعض فضلاءِ عصِرِنا، فاستعجَلَّ ردَّ بعضِ الأخبارِ النَّبويَّة الصَّحيحةِ لما انقدح في ذهنِه من ظاهرِ المُعارضة للقرآن، دون استقراء لتوجيهاتِ العلماءِ المَاضين لهذا، وهذا السُّلوك المَنهجيُّ الخاطئ، قد فَتَح البابَ واسِعًا أمامَ المُتطفِّلين ليعبَثوا في أدلَّةِ الشَّرع، فينكبُّوا على جَلْدِ كلِّ حديثٍ لا يَروق لهم بسِياطِ القرآن.
والقرآن مِن هذه الجهالاتِ بَراءٌ؛ حتَّى بَلَغَ السَّفَه بأحدِ أولاءِ الرُّوَيبضة أن يُطالِبَ «باستبعادِ قُرابةِ ألفَيْن إلى ثلاثةِ آلافِ حديثٍ، نِصفُها على الأقل ممَّا جاءَ في الصَّحيحين، لأنَّها تَتَعارض مع القرآن» (¬٣)!
وهذه بعضُ أمثلةٍ لأحاديثَ في «الصَّحيحين»، ردَّها المُعاصِرون لفهمِهم الخاطئِ لآيِ القرآن، فنقول:
الِمثال الأوَّل: أحاديث الآياتِ الحِسِّيةِ للنَّبي صلى الله عليه وسلم:
حيث ادَّعى قومٌ بُطلانَ الأحاديثِ الواردةِ في إتيانِ النَّبي صلى الله عليه وسلم لبعضِ الآياتِ الحِسيَّةِ، كانشقاقِ القَمر، وجَريانِ الماء مِن بين أصابِعه الشَّريفة، بدعوى أنَّ
---------------
(¬١) «الدفاع عن الصحيحين دفاع عن الإسلام» لمحمد بن الحسن الحجوي (ص/١٠٩).
(¬٢) «نقض الدَّارمي على المرِّيسي» (٢/ ٦٠٢).
(¬٣) وهو جمال البنَّا في كتابه «السنة النبوية ودورها في الفقه الجديد» (ص/٢٦٥).

الصفحة 78