كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

أو يكون ما يُدَّعَى أصْلًا يُدفَعُ به في نحرِ الحديثِ هو الضَّعيفَ مِن حيث الثُّبوتِ، كأن يأتي المُعترضِ إلى واقعةٍ تاريخيَّة ما، فيرُدّ بها حديثًا ثابت الإسناد، بدَعوى أنَّه يخالف ما أثبتَته تلك الواقعة، مع أنَّ الواقعةَ ظَنِّية الثُّبوت! لا يجوز أن يُدفعَ بها حديثٌ قد صُحِّحَ لو فرضنا كونَه ظنيًّا أيضًا، فكيف إذا كان في «الصَّحيحين»؟ والطَّامةُ إذا كانت الواقعةِ التَّاريخيَّة المُعارَض بها مَكذوبةً مِن الأساسِ!
وهذا السَّببُ في الاستشكال كسابقه مُتفرِّع إلى قِسمَين:
القسم الأوَّل: أن يكون الحديثُ المُعارَضُ غيرَ ثابتِ النَّقلِ أصلًا.
وذلك بأن يُستشكَلُ خبرٌ مَرويٌّ في بعضِ مُصَنَّفات الحديث، ويكون مَعناه باطلًا مُعارِضًا لأصلٍ قَطعيٍّ مِن الأصول، فإمَّا:
أن يتَكَلَّف ناسٌ مِمَّن لا خبرةَ لهم في الحديثِ تأويلَه على أوجهٍ مُتعَسِّفة (¬١).
أو يَرميَ به آخرونَ أهلَ الحديثِ بتَقبُّلِ الأباطيل، ويتنقَّصون به السُّنة وأهلَها؛ مع أنَّ الحديثَ في الأصلِ لو فَّتشوا إسناده، لوَجدوه ساقط الاعتبار.
يقول ابن تيميَّة: «لا يُعلَم حديثٌ واحدٌ يُخالف العقلَ أو السَّمعَ الصَّحيحَ إلَاّ وهو عند أهلِ العلمِ ضعيفٌ، بل مَوضوعٌ .. فآخرون مِن الزَّنادقةِ والمَلاحِدة كَذَبوا أحاديثَ مُخالفةً لصريحِ العقل، ليُهجِّنوا بها الإسلام، ويجعلوها قادِحةً فيه» (¬٢).
---------------
(¬١) تَرى أمثلةَ هذا تَتْرَى في كِتابِ «مُشكِلِ الحديثِ وبَيانُه» لابنِ فورك، من ذلك حديث: «إنَّ الله تعالى لمَّا قضى خلقَه، استلقى وَوَضَع إحدى رِجْلَيه على الأخرى، ثمَّ قال: لا ينبغي لأحدٍ أن يفعل مثل هذا»، فقد بالَغ ابن فورك في تأويلِه على أوجه مُستهجنةٍ في كتابه هذا (ص/١٢٠)، مع أنَّ الحديث مُنكر موضوع! انظر «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (٢/ ١٧٧).
(¬٢) «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (١/ ١٥٠) (٧/ ٩٢)، وانظر «الصواعق المرسلة» لابن القيم (٣/ ٨٣٠).

الصفحة 81