كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

وهذا الاتِّجاه في النَّقد غير مَقبولٍ شرعًا ولا عقلًا، فإنَّ جوهرَ الدِّين يَقوم على كونِه مَتبوعًا لا تابِعًا، ولا يُمكن أن يُعَطَّل حديثٌ نَبويٌّ قد أخَذَت به الأمَّة قرونًا مُتطاولةً، بدَعوى مُعارضتِه لنَظريَّاتٍ أو مُكتشفاتٍ عِلميَّة، تُقدَّم هي نفسُها للتَّجربةِ لتُمتَحَن، بل قد تُعَدَّل إلى فروضٍ أخرى، لتُقدَّم للتَّجربةِ مرَّةً أخرى! (¬١)
فإنَّه كيْ «يُقال: إنَّ هذه حقيقةٌ عِلميَّةٌ، لا بُدَّ مِن أمرَين: إقامةُ دليلٍ دامغٍ على صِحَّتها، ثمَّ إقامةُ دليلٍ آخرَ على استحالةِ غيرِها» (¬٢)؛ فرُبَّ حديثٍ صَحيحٍ، ظُنَّ ردحًا مِن الدَّهرِ أنَّه مُخالفٌ لمُقرَّراتِ العِلم، وبالبحثِ تَبيَّن أنَّ ما ظُنَّ مِن مُقرَّراتِ العلوم، ما هو إلَّا نظريَّات ظَنيَّة، أو آراء افتراضيَّة، بل أوهام باطِلة! ولعلَّ أجلى مِثالٍ على ذلك: نَظريَّةُ «دارْوِن» في النُّشوءِ والارتقاء (¬٣).
وها هُم علماء الغَربِ أنفُسهم، نراهم يعجزون عن إدراكِ حقائقِ الغَيبِيَّات الَّتي يجزم الإنسان بوُجودِها، وعن تفسيرِ كثيرٍ مِن الظَّواهرِ المُحَسَّة (¬٤)، وعن الوصولِ إلى اليَقينِ في كثيرٍ مِن القضايا المَبحوثة، بل عَجَزَ كثيرٌ منهم عن تَفادي جُملةٍ مِن الأخطاءِ البَشريَّة في استنتاجاتِه المخبَريَّة، بل منهم من يَتعمَّد الكذب فيها!
ومِمَّن شَهد على شيءٍ من هذه البَوائقِ في تقرير مُخرَجات العلوم عند الغَرْبيِّين:
---------------
(¬١) انظر «مَوقف الاتِّجاه العقلانيِّ الإسلاميِّ من النَّص الشَّرعي» لـ د. سعد العتيبي (ص/١٤٦).
(¬٢) «دستور الوحدة الإسلامية»، محمد الغزالي (ص/١٦٠ - ١٦١).
(¬٣) «فتاوى معاصرة» ليوسف القرضاوي (٢/ ٤٢).
أمَّا تشارلز دارْوِن (ت ١٨٨٢ م): فهو عالم أحياءٍ وجيولوجي بريطاني، اكتسب شُهرتَه لتأسيسه لنظريَّة التَّطور في كتابِه «أصل الأنواع»، ونظريَّتُه مَفادُها أنَّ الكائنات الحيَّة لها أسلافٌ مشتركة، كما أنَّ الإنسان سَلفُه قرد، وأنَّها مع مرور الزَّمن تَسبَّبت التَّغيُّرات التَّطوُّرية في أنواع جديدة، انظر «أيقونات التَّطوُّر» لجوناثان ويلز (ص/٢٤).
(¬٤) فنحن نعلم ما الَّذي تفعله الكهرباء، لكن لا نعلم لماذا تعمل الكهرباء ما تعمله!

الصفحة 83