كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

د. جِيمْس كونانْت (ت ١٩٧٨ م) (¬١)، حيث قال: « .. إنِّي استطيعُ أن أكتبَ مجلَّدًا كبيرًا عن الأخطاءِ الَّتي وَقَعَت في تجاربِ علمِ الطَّبيعة، والكيمياء، وعلمِ الحيوان، مِن تلك الَّتي وَجَدَت سبيلَها إلى النَّشرِ في المائةِ عامٍ الماضية! واستطيعُ أن أكتبَ مجلَّدًا آخر كبيرًا كهذا، أسجِّل فيه ما تجمَّع في المائة عام الماضيةِ مِن آراءٍ لم تُثمِر أبدًا، ومِن أحكامٍ مُطلَقة، ونظريَّاتٍ ناقَضَ بعضُها بعضًا» (¬٢).
الفرع الثَّاني: القاعدة في باب التَّعارض بين الأخبار النَّبويَّة وبين مُكتشفات العلوم الحديثة.
إنَّ تحريرَ مَقاصِد بعض أهل الحديث فيما قَعَّدوه مِن كونِ كلِّ خبرٍ كَذَّبه الحِسُّ أو التَّاريخ فهو باطل (¬٣): هو أمرٌ مَتَحتِّم حقٌّ في ذاتِه، فإنَّ ما قَطَع العقلُ بواسطةِ الحسِّ باستحالته، يَستحيلُ بمُقتضاه اعتقاد صدقِ خبره؛ إذْ معنى ذلك الجمعُ بين النَّقيضَيْن (¬٤).
لكن لا يُسترْوَحُ إلى طعنِ النُّصوص بمُجرَّد ما يَنشأُ في وَهْمِ النَّاظر أنَّه مُخالَفةٌ للحسِّ أو التَّاريخ أو العلومِ الحديثةِ، فإنَّ البَلِيَّة مِمَّن يسارع إلى تَقديمِ ما يَراه الدَّليلَ العِلميَّ الحِسِّيَّ على الحديث عند بُدوِّ أيِّ تَعارضٍ بينهما، فيجعلُ جِهةِ التَّرجيحِ كونَ الدَّليلِ عَقْليًّا أو عِلْمِيًّا تجريبيًّا بإطلاق.
وهذا لا شكَّ غلط من جِهة النَّظر القويم إلى مراتب الأدلَّة، بل الصَّحيح في مثلِ هذا المَقامِ، أن نسلُك ما سلكه بعضُ المُحقِّقين في مقامِ تَعارُض العَقلِيَّات مع النَّقليَّات، فنقول:
هل هذا الحديث النَّبوي، وهذه النَّتيجة العِلميَّة التَّجريبيَّة، هما دليلانِ قَطعيَّان أم ظنِّيان؟ أو أنَّ أحدَهما قطعيٌّ والآخر ظنيٌّ؟!
---------------
(¬١) جِيمس كونانْت: أستاذ في الكيمياء، ورئيس جامعة (هارفرد) من سنة ١٩٣٢ إلى ١٩٥٣، انظر مقدمة د. أحمد زكي في ترجمتِه لكتابِ «مواقف حاسمة في تاريخ العلم» لـ د. كونانت.
(¬٢) «مواقف حاسمة في تاريخ العلم» (ص/٣٣).
(¬٣) انظر «الموضوعات» لابن الجوزي (١/ ١٥٠)، و «المنار المنيف» لابن القيم (ص/٤٤).
(¬٤) انظر «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٧٥٩ - ٧٦٠).

الصفحة 84