كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

ويقول المعلِّمي: «لا نزاعَ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لا يُخبر عن ربِّه وغَيْبِه بباطلٍ، فإن رُوي عنه خَبرٌ تقوم الحجَّة على بُطلانه، فالخَلل مِن الرِّواية، لكنَّ الشَّأن كلَّ الشَّأن في الحكمِ بالبُطلان! فقد كثُرَ اختلافُ الآراءِ، والأهواءِ، والنَّظرياتِ، وكَثُر غلطها، ومَن تَدبَّرها وتَدبَّر الرِّوايةَ وأمعنَ فيها، وهو ممَّن رَزَقه الله تعالى الإخلاصَ للحقِّ والتثبُّت: عَلِم أنَّ احتمالَ خطأِ الرِّوايةِ الَّتي يُثبتها المُحقِّقون مِن أئمَّة الحديث، أقلُّ جدًّا مِن احتمالِ الخطأِ في الرَّأيِ والنَّظر» (¬١).
وخُذْ على هذا المَعلمِ مثالًا عمليًّا، تجد الجميلَ فيه أنَّه آتٍ من رأسٍ من رؤوس المُعتزلة! أعني به إبراهيم بن سيار النَّظام (ت ٢٣١ هـ):
وذلك أنَّه حين بَلَغه -وهو حَدَثٌ صغير- حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشُّرب مِن فمِ القِربة أو السِّقاء» (¬٢)، قال النَّظام: إنَّ لهذا الحديثِ لشَأنًا؟! وما في الشُّرب من فم القِربة حتَّى يجيء فيه هذا النَّهي؟! فلما قيل لي: إنَّ رجلًا شرب من فم قربةٍ، فوَكعته حيَّةٌ فمات! وإنَّ الحيَّات والأفاعي تدخلُ في أفواه القِرَب؛ علمتُ أنَّ كلَّ شيءٍ لا أعلمُ تأويلَه مِن الحديث، أنَّ له مذهبًا وإنْ جهلتُه» (¬٣).
المَعلم الثَّالث: العَملُ بمُحكَماتِ النُّصوص، والإيمان بمُتَشابِهها.
وذلك أنَّه يلزم كلَّ مسلمٍ تُجاه نصوصِ الكتابِ والسُّنة الإيمانُ بها مُحكَمِها ومُتشابِهها، والعملُ بما استبانَ له منها، وما اشتَبَه عليه من ذلك وَكَل علم حقيقته إلى الله تعالى، وهذا منصوص أئمَّة السَّلَف بعامَّة (¬٤)، مُسترشدين بقولِ الله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧].
---------------
(¬١) «الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/٢٣٦ - ٢٣٧).
(¬٢) أخرجه البخاري في (ك: الأشربة، باب: الشرب من فم السقاء، رقم: ٥٦٢٧).
(¬٣) «جامع بيان العلم وفصله» لابن عبد البر (٢/ ١١٩٥).
(¬٤) انظر «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (٣/ ٧).

الصفحة 88