كتاب مقدمة في أصول البحث العلمي وتحقيق التراث

المسجد متعدد الوظائف في مجتمع المسلمين، وبخاصة في مجال العلم والمعرفة، ولم يكن مقصورًا على الجمع والجماعات وأداء العبادات.
وأصبح في كل مسجد مكتبة يودع فيها العلماء ما صنفوه من مؤلفات في الفروع المختلفة، فقلما يخلو مسجد جامع من خزانة كتب يرتادها طلاب المعرفة.
وكانت المكتبات الخاصة لازمة من لوازم بيوت كبار القوم؛ إذ كانت غالية باهظة التكاليف، وكان الواحد منهم يفخر باقتناء كتاب معين في فرع من فروع العلم، كما يفخر باقتناء درة ثمينة، أو جوهرة فريدة.
يذكر المؤرخون: أن الفتح بن خاقان "247هـ" -وكان وزيرًا للمتوكل- تحت يده مكتبة جامعة، والمبشر بن فاتك "480هـ" أحد أعيان أمراء مصر وعلمائها كانت له مكتبة قيمة حوت الكثير من العلوم الرياضية والفلسفية ونحوها، وأما الخليفة الناصر لدين الله "622هـ" فكانت له مكتبة كبيرة جدا، كما أن الخليفة المستعصم بالله "656هـ" كان في داره مكتبة ضخمة ضمت نفائس الكتب في شتى العلوم1.
والمدارس الكثيرة التي حفلت بها المدن الإسلامية في الشرق والغرب لم تخل من مكتبات حافلة بالكتب في فروع العلم المختلفة.
ولقد أجرى إحصاء في أحياء قرطبة التي تبلغ واحدًا وعشرين حيا أيام ازدهار الخلافة، فوجد أن مائة وسبعين امرأة يجدن الخط الكوفي، يكتبن به المصاحف، وقد كان لعائشة القرطبية "400هـ" خزانة كتب كبيرة، وهي إحدى المشهورات بكتابة المصاحف2.
ويذكر المترجمون لأبي عمرو بن العلاء "154هـ" وهو من أئمة القراءات واللغة والغريب, أن مؤلفاته كانت ملء بيت إلى السقف3.
__________
1 انظر: كتب التاريخ والحضارة، وتواريخ المدن الإسلامية، وحضارة العرب للدكتور جوستاف لوبون.
2 انظر: خزائن الكتب العربية في الخاففين, لفيليب دي طرازي جـ3 ص1014-1030.
3 انظر: ترجمته في غاية النهاية لابن الجزري، ومعرفة القراء الكبار للذهبي, وكتابنا في علوم القراءات ص83 وما بعدها.

الصفحة 41