كتاب المفيد في مهمات التوحيد

الحقيقة الشرعية لأصول الدين:
المفهوم الحق لمصطلح أصول الدين، هو أصول الإيمان الستة المذكورة في قوله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: من الآية 177] ، وفي قوله عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] ، وهي التي أجاب بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبريل حين سأله عن الإيمان، فقال: "الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" 1. فهذه الأصول الستة هي التي يقوم عليها إيمان العبد، وتصح بها عبادته.
مؤلفات في العقيدة تحت مسمى "أصول الدين":
لعل أول من استخدم هذا المصطلح لعلم العقيدة -وإن لم يشتهر وقتها- هو الإمام الشافعي رحمه الله "ت204هـ"؛ حيث قال في مفتتح كتابه "الفقه الأكبر": "هذا كتاب ذكرنا فيه ظواهر المسائل في أصول الدين، التي لا بد للمكلف من معرفتها، والوقوف عليها.
1- وهذه التسمية استخدمها أيضا الإمام أبو الحسن الأشعري "ت329هـ"، حين وسم كتابه الذي أبان فيه عن عقيدة أهل السنة والجماعة بـ"الإبانة عن أصول الديانة".
2- وكذا استخدمها أبو حاتم الرازي "ت327هـ" في كتابه "أصل السنة والاعتقاد الدين".
3- ومن بعدهما عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري "ت387هـ" في كتابه: "الشرح والإبانة عن أصول الديانة"، وهو الكتاب الذي يعرف بـ"الإبانة الصغرى".
4- وعبد القاهر البغدادي "ت429هـ" في كتابه "أصول الدين". وغيرهم.
ملاحظة: يلاحظ أن العقيدة -ههنا- سميت بـ"أصول الدين" تمييزا لها عن الفروع.
وينبغي أن لا يرد على بالك أن الأصول هي التي تؤخذ ويعمل بها فحسب، ويمكن الاستغناء عن الفروع. فهذا الفهم خطأ؛ لأن الدين كل لا يتجزأ. وقد عاب الله على أهل الكتاب أنهم يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعضه الآخر، فقال: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: من الآية 85] .
__________
1 صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان.

الصفحة 14