عبد الرحمن، إنه وَهلَ، إن الله تعالى يقول {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا لَيُعَذَّب الآن، وأهله يبكون عليه".
__________
= بيده، إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه، فيا عباد الله، لا تعذبوا موتاكم, وهذا طرف من حديث طويل حسن الإسناد، أخرجه ابن أبي خثيمة وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم، وأخرج أبو داود والترمذي أطرافاً منه. [أقول: وحديث قيلة ذكره الحافظ في الإصابة 8: 171 - 173 ونسبه للطبراني وابن منده، وساقه بطوله من لفظ ابن منده، وذكر أن البخاري أيضاً أخرج طرفاً منه في الأدب المفرد. وساقه الهيثمي في مجمع الزوإئد 6: 9 - 12 بطوله، وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات]. قال الطبري: ويؤيده ما قاله أبو هريرة: إن أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم، ثم ساقه بإسناد صحيح إليه. وشاهِده حديث النعمان بن بشير مرفوعاً، أخرجه البخاري في تاريخه، وصححه الحاكم. قال ابن المرابط: حديث قيلة نص في المسئلة، فلا يعدل عنه". ووجه آخر اختاره
البخاري وجزم به في صحيحه، كعادته في إثبات فقه الحديث في عناوين الأبواب، قال: "باب قول النبي -صلي الله عليه وسلم -: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه، إذا كان النوح من سنته، لقول
افة تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}، وقال النبي -صلي الله عليه وسلم -: كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وهو كقوله: "وإن تدع مثقلة- ذنوباً- إلى حملها لا يحمل منه شيء"، ومايرخص من البكاء في غير نوح، وقال النبي -صلي الله عليه وسلم -: "لا تقتل نفس ظلمَاً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، وذلك لأنه أول من سن القتل". انظر الفتح 3: 120 - 121 يريد البخاري أن تعذيب الميت ببكاء أهله يكون إذا كان ذلك من سنة أهله وعادتهم، فقصّر في تعليمهم ونهيهم، أورضى عن عملهم، فهو قد سن سنة عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، وزر الرجل المسؤول عما يعمل أتباعه ويعرف ويسكت أو يرضى، فخان أمانة المسؤولية التي حملها، فهو إنما يعاقب بعمله، لا ببكاء أهله. وهو وجه جيد صحيح، لا ينافي ما اخترنا ورجحنا. وأيده الحافظ بما نقل عن ابن المبارك قال: "إذا كان
ينهاهم في حياته، ففعلوا شيئاً من ذلك بعد وفاته، لم يكن عليه شيء"، وهذا صحيح، لا ينفى أنه يتألم بما يصنعون بعد وفاته، بل لعله يكون أشد ألماً. وقال الحافظ أيضاً 120 - 121: "وقد اختلف العلماء في مسئلة تعذيب الميت بالبكاء عليه: فمنهم من حمله =