كتاب مسند أحمد ت شاكر (اسم الجزء: 5)

بلغنا أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم - كان إذا رمَى الجمرةَ الأولى التي تَلي المسجد، رماها
__________
= آخره: "قال الزهري: سمعت سالم بن عبد الله يحدث بمثل هذا عن أبيه عن النبي -صلي الله عليه وسلم -.
وكان ابن عمر يفعله". قال الحافظ عند قول الزهري "سمعت سالم بن عبد الله" إلخ: "هو بالإسناد المصدر به الباب [يعني] إسناد عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري]، ولا اختلاف بين أهل الحديث أن الإسناد بمثل هذا السياق موصول، وغايته أنه من تقديم المتن على بعض المسند، وإنما اختلفوا في جواز ذلك. وأغرب الكرماني فقال: هذا الحديث من مراسيل الزهري، ولا يصير بما ذكره آخراً مسندا, لأنه قال: يحدث بمثله، لا بنفسه. كذا قال. وليس مراد المحدث بقوله في هذا (بمثله) إلا نفسه، وهو كما لو ساق المتن بإسناد آخر ولم يعد المتن، بل قال: بمثله، ولا نزاع بين أهل الحديث في الحكم بوصل مثل هذا، وكذا عند أكثرهم لو قال: بمعناه، خلافا لمن يمنع الرواية بالمعنى. وقد أخرج الحديث المذكور الإسماعيلي عن ابن ناجية عن محمد بن المثنى وغيره عن عثمان بن عمر، وقال: في آخره: قال الزهري: سمعت سالما يحدث بهذا عن أبيه عن النبي -صلي الله عليه وسلم -. فعرف أن المراد بقوله (مثله) نفسه، وإذا تكلم المرء في غير فنّه أتى بهذا العجائب"!!. وأنا أرى أن الحافظ قد تجنى كثيرا على الكرماني في ذلك، وإن كان كلامه صحيحا في ذاته. والظاهر لي أن الحافظ لم يستحضر رواية أحمد في المسند عندما كتب هذا، فإن رواية المسند بين أيدينا تدل صراحة على أن حديث الزهري مرسل، لقوله في أوله: "بلغنا أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم -"، وهذا لا يمنع من صحة الحديث موصولا بالرواية بعده من الزهري عن سالم عن أبيه "عن النبي -صلي الله عليه وسلم - بمثل هذا". ولعل الزهري لم يتقن حفظ ما سمع من سالم بلفظه، وأتقن حفظ ما بلغه مرسلاً، فاحتاط في الرواية, وساق اللفظ المرسل الذي استيقن من حفظه، ثم ذكر إسناده موصولا عن سالم عن أبيه "عن النبي -صلي الله عليه وسلم - بمثل هذا"، فهو وصل للمرسل بمعناه، ولا خلاف بين أهل هذا الفن أن مثل هذا يحكم له بالاتصال، كما قال الحافظ. فقد أصاب ابن حجر حين جزم بوصل الحديث، من هذه الناحية، وأصاب في رده على الكرماني من ناحية أن الكرماني تكلم في غير فنه, لأن الكرماني لم يذكر أنه استند فيما قال على رواية أحمد في المسند، ولكنه استند إلى ظاهر اللفظ الذي في صحيح البخاري وحده، إذ أن =

الصفحة 555