كتاب مسند أحمد ت شاكر (اسم الجزء: 6)

المَقْبُري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم -: "إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِى إِنَاءِ
__________
= للصحيحين. واليقين أن مسلمًا لم يروه في صحيحه، بعد طول التتبع. وقد صرح الحافظ بذلك في الفتح (6: 257)، في خاتمة كتاب بدء الخلق. وإن سها أن ينص عليه في خاتمة كتاب الطب (10: 215). وهذا الحديث مما لعب به بعض معاصرينا، ممن علم وأخطأ، وممن علم ومحمد إلى عداء السنة، وممن جهل وتجرأ: فمنهم من حمل على أبي هريرة، وطعن في رواياته وحفظه. بل منهم من جرؤ على الطعن في صدقه فيما يروي!، حتى غلا بعضهم فزعم أن في الصحيحين أحاديث غير صحيحة، إن لم يزعم أنها لا أصل لها!، بما رأوا من شبهات في نقد بعض الأئمة لأسانيد قليلة فيهما، فلم يفهموا اعتراض أولئك المتقدمين، الذين أرادوا بنقدهم أن بعض أسانيدهما خارجة عن الدرجة العليا من الصحة، التي التزمها الشيخان، لم يريدوا أنها أحاديث ضعيفة قط. ومن الغريب أن هذا الحديث بعينه - حديث الذباب- لم يكن مما استدركه أحد من أئمة الحديث على البخاري. بل هو عندهم جميع جميعًا جاء على شرطه في أعلى درجات الصحة. ومن الغريب أيضاً أن هؤلاء الذين حملوا على أبي هريرة، على علم كثير منهم بالسنة وسعة اطلاعهم، رحمهم الله- غفلوا أو تغافلوا عن أن أبا هريرة رضي الله عنه لم ينفرد بروايته. بل رواه أبو سعيد الخدري أيضاً عن النبي -صلي الله عليه وسلم -، عند أحمد في المسند (11207، 16616)، والنسائي (2: 193)، وابن ماجة (2: 185)، والبيهقي (1: 253)، بأسانيد صحاح. ورواه أنس بن مالك أيضاً، كما ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5: 38)، وقال: "رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الأوسط"، وذكره الحافظ في الفتح (10: 213)، وقال: "أخرجه البزار، ورجاله ثقات". فأبو هريرة لم ينفرد برواية هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه انفرد بالحمل عليه منهم، بما غفلوا أنه رواه اثنان غيره من الصحابة. والحق أنه لم يعجبهم هذا الحديث، لما وقر في نفوسهم من أنه ينافي المكتشفات الحديثة، من المكروبات ونحوها.
ليعصمهم إيمانهم عن أن يجرؤا على المقام الأسمي، فاستضعفوا أبا هريرة. والحق أيضاً أنهم آمنوا بهذه المكتشفات الحديثة أكثرُ من إيمانهم بالغيب، ولكنهم لا يصرحون!، ثم اختطوا لأنفسهم خطة عجيبة: أن يقدموها على كل شيء، وأن يؤولوا القرآن بما يخرجه =

الصفحة 553