كتاب مسند أحمد ت شاكر (اسم الجزء: 6)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= يراه هو - بعلمه الواسع - غير صحيح!، فافترى عليه ما شاء، مما سيحاسب عليه بين يدي الله حسابًا عسيرًا. ولم يكن هؤلاء المعترضون المجترئون أول من تكلم في هذا، بل سبقهم من أمثالهم الأقدمون. ولكن أولئك كانوا أكثرُ أدبًا من هؤلاء!، فقال الخطابي في معالم السنن (رقم 3695 من تهذيب السنن): "وقد تكلم في هذا الحديث بعض من لا خلاق له، وقال: كيف يكون هذا؟، وكيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذبابة؟، وكيف تعلم ذلك من نفسها حتى تقدم جناح الداء، وتؤخر جناح الشفاء؟، وما أربها في ذلك؟!، "قلت [القائل القابي]: وهذا سؤال جاهل أو متجاهل؛ وإن
الذي يجد نفسه ونفوس عامة الحيوان قد جمع فيها بين الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، وهي أشياء متضادة، إذا تلاقت تفاسدت، ثم يرى أن الله سبحانه قد ألف بينها، وقهرها على الاجتماع، وجعل منها قوى الحيوان التي بها بقاؤها وصلاحها-: لجدير أن لا ينكر اجتماع الداء والشفاء في جزءين من حيوان واحد، وأن الذي ألهم النحلة أن تتخذ البيت العجيب الصنعة، وأن تعسل فيه، وألهم الذرَّة أن تكتسب قوتها وتدخره لأوان حاجتها إليه-: هو الذي خلق الذبابة، وجعل لها الهداية إلى أن تقدم جناحًا وتؤخر جناحًا، لما أراد الله من الابتلاء، الذي هو مدرجة التعبد، والامتحان الذي هو مضمار التكليف. وفي كل شيء عبرة وحكمة. وما يذكر إلا أولو الألباب". وأما المعنى الطبي،
فقال ابن القيم - في شأن الطب القديم- في زاد المعاد (3: 210 - 211): "واعلم أن في الذباب قوة سمّية، يدل عليها الورم والحكة العارضة من لسعه. وهي بمنزلة السلاح، فإذا سقط فيما يؤذيه ألقاه بسلاحه. فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقابل تلك السُّمية بما أودعه الله في جناحه الآخر من الشفاء، فيغمس كله في الماء والطعام، فيقابل المادة السمية بالمادة النافعة، فيزول ضررها. وهذا طب لا يهتدي إليه كبار الأطباء وأئمتهم، بل هو خارج من مشكاة البنوة. ومع هذا، فالطبيب الحالم الحارف الموفق، يخضع لهذا العلاج، ويقرّ لمن جاء به بأنه أكمل الخلق على الإطلاق، وأنه مؤيد. بوحي إلهي خارج عن القوى البشرية". وأقول- في شأن الطب الحديث-: إن الناس كانوا ولا يزالون تقذر أنفسهم الذباب، وتنفر مما وقع فيه من طعام أو شراب. ولا يكادون يرضون قربانه وفي =

الصفحة 556