كتاب مسند أحمد ت شاكر (اسم الجزء: 7)

أبيه، عن أبي هريرة، قال: أُرسل مَلَكُ الموتِ إلى موسى، فلما جاءه صكه
__________
= موضع الإبانة عن مراده. فبلغ - صلى الله عليه وسلم - رسالته، وبين عن آياته بألفاظٍ مجملة ومفسرة، عقلها عنه أصحابه أو بعضهم. وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناه من لم يُحْرَم التوفيقَ
لإصابة الحق. وذلك: أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى، رسالة ابتلاء واختبارٍ، وأمره أن يقول له: أحب ربك - أمر اختبار وابتلاء، لا أمرًا يريد الله جل وعلا إمضاءه. كما أمر خليله - صلى الله على نبينا وعليه - بذبح ابنه، أمر اختبار وابتلاء، دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه، وتله للجبين -: فداه بالذبح العظيم. وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رسله، في صور لا يعرفونها، كدخول الملائكة على إبراهيم ولم يعرفهم، حتى أوجس منهم خيفةً، وكمجيء جبريل إلى رسول الله -صلي الله عليه وسلم -، وسؤاله إياه عن الإيمان والإِسلام، فلم يعرفه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حتى ولَّى.
فكان مجيء ملك الموت إلى موسى على غير الصورة التي كان يعرفه موسى عليه السلام عليها، وكان موسى غيورًا، فرأى في داره رجلاً لم يعرفه، فشال يده لطمه، فأتت لطمته على فَقْئِ عينه التي في الصورة التي يتصور بها، لا الصورةِ التي خلقه الله عليها. ولما كان المصرَّخ عن نبينا - صلى الله عليه وسلم -، في خبر ابن عباس، حيث قال: "أمني جبريل عند البيت مرتين"، فذكر الخبر، وقال في آخره: "هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك" -: كان في هذا الجر البيان الواضح أن بعض شرائعنا قد يتفق بعض شرائع من قبلنا من الأمم. ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخِل دارَه بغير إذنه، أو الناظِر في بيته بغير أمره، من غير جناح على فاعله، ولا حرج على مرتكبه، للأخبار الجمة الواردة فيه، التي أمليناها في غير موضع من كتبنا -: كان جائزًا اتفاق هذه الشرعية شريعةَ موسى، بإسقاط الحرج عمن فقأ عينَ الداخل دارَه بغير إذنه. فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحًا له، ولا حرج عليه في فعله. فلما رجع ملك الموت إلى ربه، وأخبره بما كان من موسى فيه، أمره ثانيًا بأمر آخرَ، أمر اختبار وابتلاء - كما ذكرنا قبلُ - إذ قال الله له: قل له: إن شئت فضع يدك على متن ثور فلك بكل ما غطت يُدك بكل شعرة سنة. فلما علم موسى- كليم الله، صلى الله على نبينا وعليه - أنه ملك الموت، وأنه جاءه بالرسالة من عند الله، طابت نفسه بالموت، ولم يستمهل، وقال: فالآن. فلو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملل الموت، =

الصفحة 377