كتاب مصنف ابن أبي شيبة (عوامة) (اسم الجزء: 16)

فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا خَطَبَهَا فَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ : إنْ وَلَدَتْ غُلاَمًا أَنْ يَجْعَلَهُ الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِهِ , وَأَشْهَدَتْ عَلَيْهِ خَمْسِينَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَتَبَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَابًا , فَمَا شَعَرَ لِفِتْنَتِهِ أنَّهُ فُتِنَ ، حَتَّى وَلَدَتْ سُلَيْمَانَ وَشَبَّ , فَتَسَوَّرَ الْمَلكَانُ عَلَيْهِ الْمِحْرَابَ ، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ وَخَرَّ دَاوُد سَاجِدًا فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَتَابَ ، وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ.
فَطَلَّقَهَا وَجَفَا سُلَيْمَانَ وَأَبْعَدَهُ , فَبَيْنَمَا هُوَ مَعَه فِي مَسِيرٍ لَهُ - وَهُوَ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ - إذْ أَتَى عَلَى غِلْمَانٍ لَهُ يَلْعَبُونَ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : يَا لاَ دِّينُ ، يَا لاَ دِّينُ , فَوَقَفَ دَاوُد ، فَقَالَ : مَا شَأْنُ هَذَا يُسَمَّى لاَ دِّينَ ، فَقَالَ : سُلَيْمَانُ وَهُوَ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ : أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَأَلَنِي عَنْ هَذِهِ لاَخْبَرْته بِأَمْرِهِ ، فَقِيلَ لِدَاوُدَ : إنَّ سُلَيْمَانَ قَالَ كَذَا وَكَذَا , فَدَعَاهُ فَقَالَ : مَا شَأْنُ هَذَا الْغُلاَمِ سُمِّيَ لاَ دِّينَ ؟ فَقَالَ : سَأَعْلَمُ لَك عِلْمَ ذَلِكَ ، فَسَأَلَ سُلَيْمَانُ عَنْ أَبِيهِ كَيْفَ كَانَ أَمْرُهُ ؟ فَقِيلَ لَه : إنَّ أَبَاهُ كَانَ فِي سَفَرٍ لَهُ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَأَرَادُوا قَتْلَهُ , (11/556) فَأَوْصَاهُمْ ، فَقَالَ : إنِّي تَرَكْت امْرَأَتِي حُبْلَى , فَإِنْ وَلَدَتْ غُلاَمًا فَقُولُوا لَهَا تُسَمِّيهِ لاَ دِّينَ ، فَبَعَثَ سُلَيْمَانُ إلَى أَصْحَابِهِ , فَجَاؤُوا فَخَلاَ بِأَحَدِهِمْ فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى أَقَرَّ , وَخَلاَ بِالآخَرِينَ , فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى أَقَرُّوا كُلُّهُمْ , فَرَفَعَهُمْ إلَى دَاوُد فَقَتَلَهُمْ فَعَطَفَ عَلَيْهِ بَعْضَ الْعَطْفِ.
وَكَانَتِ امْرَأَةٌ عَابِدَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَانَتْ تَبَتَّلَتْ , وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَتَانِ جَمِيلَتَانِ ، وَقَدْ تَبَتَّلَتِ الْمَرْأَةُ لاَ تُرِيدُ الرِّجَالَ ، فَقَالَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ لِلأُخْرَى : قَدْ طَالَ عَلَيْنَا هَذَا الْبَلاَءُ , (11/557).

الصفحة 563