كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

تلتحق بي زوجتي في الزوال حتى نركب سويا القطار المتجه مساء إلى مرسيليا لنبحر في السفينة المتجهة نحو الإسكندرية أو السويس. ودعت حماتي ذات صباح من أكتوبر واتجهت رأسا لسفارة مصر بباريس. كانت القاعة التي كنت انتظر فيها دوري غاصة بالنساء والرجال، عسكريين ومدنيين. وكنت المسلم الوحيد في القاعة. وربما رجوت في أعماق نفسي من خلال هذه الصفة أن أستفيد من معاملة خاصة بدت لي طبيعية كتعويض عادل عن كل المزايا وأنواع التفضيل التي يجدها الأوروبي تلقائيا عند المسلم في أي ظرف وشرط. وفي انتظار دوري، تفرست في الحضور في القاعة بعد أن سلمت جوازي السفر للحاجب المصري الذي أخذهما مني بمجرد وصولي. حاولت أن استخلص من ملامح كل واحد منهم سببا لسفره إلى مصر. فبدا لي أن العسكريين منهم في إجازة سيقضونها في مستعمرة من المستعمرات الفرنسية وكان عليهم أن يعبروا إليها عن طريق مصر. أما المدنيين فقد أحسست فيهم الشبهة والريب. أما النساء فقد أدركت أن أغلبهن سيذهبن لبيع مفاتن أوروبا للبشوات وكبار التجار في مصر الذين يقضون إجازتهم الفصلية في الإسكندرية. وعلى الجملة فقد كنت الوحيد الذي جاء يطلب تأشيرة لسفر له صلة، على تواضعها، بمستقبل الإسلام ومصالحه.
وبينما كنت استرجع هذه التخمينات، كان الحاجب في حركة ذهاب وإياب، يظهر في قاعة الانتظار ثم يختفي، يسلم هذا جوازه ويطلب من ذاك معلومة إضافية ويقود آخر إلى مكتب من مكاتب

الصفحة 103