كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

فرحت زوجتي كثيرا وأقرت بأني لي بعض الحظ السعيد إذ اكتشف دائما مأوى مناسبا. وخلال شهر كامل، وبينما استغرقت في دراساتي التي شغلتني عن أي شيء آخر، قامت هي بأعمال الخياطة والتثبيت والصيانة والفراش والتسوية وإعداد حياة سعيدة في حجرتنا الوحيدة. لقد كانت زوجتي آلة متعددة الأشغال باستطاعتها أن تقوم بأشغال الدهان والفراش والخياطة والنجار والبستاني. وكانت تؤدي ذلك بأحسن الأذواق، فأعدت الغرفة بطريقة كادت أن تتسبب في هلاك المالك العجوز، عندما تجرأ وصعد الطوابق الست يوما، لينظر كيف يعيش إنسان من (الأهالي) (Indigène) . فعندما فتحت له زوجتي الباب، وفي الوقت الذي كان يتوقع أن يرى ركنا تندثر فيه الأمتعة القديمة في فوضى، وجد غرفة صغيرة مرتبة أيما ترتيب ترغم فيها ربة البيت بإعداد الأكل وحتى الغسيل. ولم يكن عند الرجل العجوز إلا ضمير المالك. وكان ضمير يحركه بعض الشعور فأحس صاحبه ببعض الارتباك وهو على مدخل شقتنا.
قضينا في هذه الغرفة الصغيرة في الطابق السادس من بناية باريسية تسعة أشهر من أوهامنا حول المستقبل. كانت زوجتي تعد نفسها لدور ربة البيت وكنت استعد لمهنة مهندس.
وكانت جماعة أصدقائنا من اتحاد الشبان المسيحيين تزورنا كل يوم أحد تقريبا. وكانت أوقات ممتعة إذ كانت زوجتي تحسن كيف تضفي بعض البهجة على لقائنا بإعداد بعض الحلوى فيسر بها أصدقاؤنا الذين لم يزالوا عزابا.

الصفحة 107