كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

آه! كم من مرة لعنت فيها هذا الاختلاف المشؤوم في التوقيت. اضطررت أن أقفل عائدا للمدينة مع كل حمولتي. وفي الغد صباحا وبينما أنا على شرفة المقهى حيث قدم لي فنجان قهوة وكوب من الماء، سمعت صوتا نسويا ورائي يسألني:
- سيدي هل أنت فرنسي؟ بدا لي ذلك من خلال لكنتك عندما تحدثت مع النادل.
كانت امرأة في العقد الرابع من العمر وبصحبة ابنتها ذات الأربعة عشر ربيعا تقريبا.
بدأ الحديث. أخبرتني السيدة أنها أقامت بعض الأسابيع بتيرانا. وسيتخيل القارئ أني سأطرح عليها بالطبع كثيرا من الأسئلة حول هذه المدينة التي نويت السفر إليها والتي أجهل عنها كل شيء. كانت الأجوبة تحط تدريجيا من الصورة التي رسمتها في مخيلتي عن الحياة في ألبانيا. هل القدر هو الذي وضع هذه المرأة في طريقي أم ميكيافيلي؟ لا أزال إلى اليوم أطرح السؤال دون أن أستطيع أن أجيب عنه بتأكيد وحزم. على أي حال قررت أن أستزيد التفاصيل بنفسي في القنصلية الفرنسية. فتم تأكيد معلومات المرأة جميعها دون استثناء. هل يتعلق الأمر بإرهاق معنوي وجسدي أو مجرد سذاجة أهلية (indigène)؟ غير أني تركت نفسي تحت تأثير ما سبق، فلم تعد لدي رغبة في الذهاب إلى ألبانيا حيث لم أر أي أفق، إذا وجب علي أن أقيم لمدة طويلة نسبيا في انتظار مغادرة محتملة نحو مصر التي كنت أرى فيها مخارج أكثر. غير أن هذا الاحتمال

الصفحة 133