كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

تضاءل وصرف من ذهني، فقد أخبرت بأن القنصل المصري في تيرانا لا يمكن أن يمنح لي تأشيرة لبلاده دون أن يستمزج رأي زميله بباريس، باعتباره المعتمد إقليميا بالنسبة لمكان صدور الجواز.
سقطت مرة أخرى تحت رحمة باريس أي ماسينيون. بكل تأكيد، أدركت أن هذا الرجل يقف حاجزا أمام كل المخارج التي أحاول عبرها أن أنجو من مقرعة الاستعمار.
اضطرني الحال إلى العودة إلى باريس دون أن أفعل شيئا في ظل افتقاري لمبلغ يمكنني الوصول إلى تيرانا أو مدينة باري. وقبل أن أغادر الأراضي الإيطالية، حسبت من الواجب أن أرسل كلمة تضامن للعقبي الذي كان يقبع في السجن (¬1). أنا أعرف أن هذه الالتفاتة القادمة من أرض أجنبية لا يمكن إلا أن يكون لها وقع حسن على الأقل على معنويات السجين. غير أن الحالة لا يستوعبها عقل الأهالي، وهو الأمر الذي سأدركه خلال الثمانية عشر شهرا من السجن التي قضيتها في السجن، بعد تحرير فرنسا.
على أية حال، أخذت طريق العودة، وكم هي مضنية وشاقة عودة رجل يشعر بثقل نظام برمته يحط عليه ولا يرى أملا من النجاة منه. تمنيت لو ينحرف القطار سائلا الله في الوقت نفسه أن ينجي المسافرين الآخرين.
تسربت فكرة خبيثة بالانتحار في أعماقي. لقد كنت كالحيوان المتوحش الذي كان يلطم رأسه بشدة على القضبان في نوبة هيجان وهو يحس أنه سجين قفص.
¬__________
(¬1) للتذكير، فقد سجن الشيخ العقبي بعد أن اتهمته السلطات الاستعماري بالضلوع في حادث اغتيال المفتي كحول في 1936. (المترجم).

الصفحة 134