كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

لعلمه بعدم جدوى التقدم لها باعتبارها مجالات محرمة عليه، فتبقى له الأشغال المذلة ويسعى لها باكرا دون أن ينال منها شيئا وهو يتقدم لها كعامل بسيط ومجهول.
كيف السبيل لإفهام أن هذا هو جوهر الاستعمار الذي يحط من الإنسان ذي القيمة إلى آخر حد، حتى يفقده الشعور بقيمته، وهذا هو هدفه.
كان محمد بن ساعي للأسف قد بلغ هذا الانحدار الذي يوصل للهوة السحيقة (¬1). أدركنا الأمر أنا وأخوه صالح وتأسفنا كثيرا وتألمنا لحاله. صالح قاوم ببسالة. أما أنا فإن الله تعالى قد منحني وسيلة لتجديد جلدي عند كل سلخة. فكلما أحسست بتعب وإرهاق بعد
¬__________
(¬1) تمكن الصحافي علي بن بلقاسم، من باتنة، من الحصول على ثلاث أو أربع صفحات من مذكرات حمودة بن ساعي التي كان يحرص على إخفائها عن الأنظار ناهيك على طبعها ونشرها، بسبب عقدة الاضطهاد التي لازمته حتى وفاته والتي حدثنا عنها الكاتب سابقا، وقد يكون عنونها: (Souvenirs de jeunesse à Paris). حسب بعض الذين كانوا يتوقون لمعرفة فكر الرجل ومحطات من حياته بمدينة باتنة. ونورد مقتطفا منها ليرى القارئ كيف أنها تنسجم مع ما يرويه بن نبي وليتأمل مليا ما عانته هذه الجماعة المتميزة التي أدركت مبكرا خفايا الصراع الفكري الرهيب الذي كان يحاك ضد الجزائر من البداية: (في جوان من عام 1935، وبعد مصائب شديدة، اضطرتني الحاجة الماسة لأن أشتغل عاملا بسيطا في مصنع هيسبانو - سويزا بمنطقة بوادي كولومب بباريس. في يوم الجمعة 13 ديسمبر 1935، حضرت محاضرة للويس ماسينيون في مقر اتحاد الشبان المسيحيين حول (عسر الإسلام). لاحظني ماسينيون بين الحضور. في 26 ديسمبر، تلقيت مذكرة من مديرية المصنع تقول: (يؤسفنا أن نعلمكم بقرار فصلكم عن العمل ابتداء من 06 جانفي 1936). للمزيد عن معاناته انظر مقالنا المنشور في جريدة La tribune عدد 28 جويلية 2000 وقد عربه د. عبد الرزاق قسوم في أسبوعية (البصائر) الجزائرية. (المترجم).

الصفحة 136