كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

بالخصوص إحداث تغيير جوهري في نفسية تلاميذي من خلال استهجان السلوكيات والمواقف وأفكار الأهالي (الأندجين). فكنت أعلم أحدهم كيف يعقد ربطة عنقه، وأبين للآخر كيف نداوي غمص العين ووسخه وللثالث كيف نسير في الطريق وللرابع كيف نجلس في شرفة مقهى.
وكنت أحاول أن أرسخ في أذهان الجميع روحا نقدية، وذوق الإبداع. فلم يكن تعليم الحساب في ذهني مخصصا لتكوين مهرة في الحساب بقدر ما كنت أبحث عن منح تلاميذي معنى الأعداد الكبرى ومفهوم اللامتناهي (l'infini). كما أن دروسي في الجغرافيا لم تكن معدة إلا لإعطاء فكرة عن تنوع البلدان، والأجناس، والمنتجات وامتداد الفضاءات واتساعها. افتقر للوقت لأصف هنا مشاعر التأثر التي تنتابني وأنا أتابع تقدم منهجيتي، وكل المشاعر التي يحسها تلاميذي الذين كنت أدعهم ليبادروا من تلقاء أنفسهم، كمثل اليوم الذي كلف فيه أربعة منهم من قبل زملائهم ليشتروا هم أنفسهم خريطة العالم الضرورية لدروس الجغرافيا. ويمكن تصور الإحساس القوي الذي خلفته مثل هذه المبادرة في أربعة شبان، الذين كانوا لم يحسنوا لا القراءة ولا الكتابة ولا الحساب، شهران قبلها. غير أني اكتشفت نتيجة أحدثت في شخصيا تأثرا. فعند أول لقاء بتلاميذي، أدهشتني الهيئة الوحشية التي كانت تسم نظراتهم وتطبع قسمات وجوههم. ثم لاحظت أن نظراتهم تهذبت واكتست طابعا إنسانيا تتجلى الفكرة من خلالها. وأكثر تأثيرا هو أن الطلعة

الصفحة 163