كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

غضون ذلك، مر علينا الشيخ مبارك الميلي (عليه رحمة الله) فاستبقيناه بمرسيليا ليقدم لنا درسا. كان مريضا وعائدا من فيشي. غير أنه قبل الدعوة. كان (العالم) الوحيد الذي ترك لدي انطباعا بأنه صادق. ولم يخف عني قلقه إزاء الوضع الذي تتخبط فيه جمعية العلماء منذ زيارتها المشهودة لباريس , فالعقبي الذي أفرج عنه اتخذ بكل وضوح موقفا مع الإدارة. أصبحت الجزائر تتأرجح بين بن جلول ومصالي. وتمكن مييو (Millot) الذي خلف ميرانط (Mirante) من فرض عقلية ماسينيون نهائيا في الإدارة الجزائرية. لم يتمكن والدي لحد الآن أن يعود لعمله رغم مساعيه الحثيثة.
كنا، والحال هذه، محرجين أكثر فأكثر في مقر النادي بشارع فوشييه. وقد استعملت الإدارة كافة أوراقها. بدأ بعض أنصار مصالي يشنون حملات دعائية لا تهدأ ضد (نادي التربية والتعليم)، وكان ذلك باسم الوطنية طبعا، تماما كما حصل عندما نددت جمعية الطلبة بالجزائر العاصمة بكتابـ (شروط النهضة) في 1949.
لقد عرفت الإدارة الاستعمارية كيف تستفيد من وطنية الأهالي (patriotisme indigène) . ثم قامت بالطبع في غضون عشر سنوات بتحسين هذه الوسيلة الرائعة. غير أني وتلاميذي قاومنا. وكانت زوجتي التي التحقت بي في ردهة محل الحدادة القديم عونا لي بقدرتها على إعداد كل شيء من لا شيء. فضاعفت من نشاطي.
كانت مرسيليا تحتضن كل مساء منتدى يتبادل فيه الصحفيون والفنانون والعمال البسطاء والفوضويون والفاشيون آراءهم، وأحيانا

الصفحة 166