كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

فقد فارقهم أب وصديق لكنه ترك لهم شيئا يدب في روحهم وفي ذكائهم. وهذا الحاصل فعلا إلي يومنا فعندما كان بن يحي يكاتبنا أنا وزوجتي فكان يستهل رسالته بـ (أمي العزيزة) أو بـ (أبي العزيز). بمنعي من ممارسة التعليم الحر، فإن ماسنيون لم يستلهم فعلته من وجهة نظرة عامة للاستعمار الذي يحارب كل مبادرة من شأنها أن تؤثر في عقول وقلوب وأرواح المستعمرين - بفتح الميم الثانية -وحسب، بل يستلهم أيضا وبالأخص من وجهة نظر خاصة أنه من الممكن أن تنبثق من شارع فوشييه حركة لا تعير الانتخابات أهمية وإنما تهتم بالإنسان والتراب والزمن، حركة لا تهتم بـ (الحقوق) وإنما بـ (الواجبات). لأن ماسينيون يعرف جيدا أن مثل هذه الحركة ليست سياسة الدجل المنحطة والعقيمة التي يمتهنها الأهالي (Boulitique indigène) ، (والتي تمنحها الإدارة دفعا وتشجيعا من خلال أبطال وشهداء مزيفين لضمان ديمومتها) ولكن سياسة (Politique) من شأنها أن تغير من شروط الحياة الجزائرية. وهذا بالضبط ما كان ماسينيون يسعى لتفاديه عندما منع عني التدريس الحر. وحتى أنا شخصيا لم تكن لدي للأسف الوسائل الضرورية لإطالة بقائي في مرسيليا. ففارقت تلاميذي مضطرا لأمر على درو قبل أن أعود للجزائر. قضيت أسبوعين أو ثلاثة فقط مع زوجتي ثم عدت إلى تبسة من جديد. كان الجو للهرج والمرج أكثر من أي وقت مضى.
دعيت مرة من قبل رجل موقر من تبسة لحضور حفل استقبال نظمه على شرف الدكتور بن جلول، وكأن حفل الاستقبال أعد

الصفحة 170