كتاب مذكرات مالك بن نبي - العفن (اسم الجزء: 1)

نصيحتي لم تكن لتفقد صديقي الثقة التامة وكان يعتقد أني أهل لأن أصبح ذراعه الأيمن ومستشاره، وكنت أرى فيه مثال البراءة والطيبة والإخلاص والثقافة بقدر ما كنت أرى في نفسي مزيدا من الشدة وبعد النظر العملي, وكنت أرى في مجمل هذه الصفات خلاصة يمكنها أن تقوم بثورة روحية وفكرية وسياسية بالجزائر. ولهذا كنت حريصا على كل ما كان يقوم به صديقي الذي اعتبره أخا بنفس القدر الذي كنت أنظر فيه إلى صالح الذي ضم محاسنه وعيوبه إلى صفاتنا وإلى ابن عمي علي بن أحمد، عليه رحمة الله، وإن كان هذا الأخير يبدو لي فخورا بقدر يتجاوز قيمته الفعلية. وبناء عليه، فقد كنت متحمسا، وأكررها، للقاء بن ساعي ليعرض علي ما استطاع أن يقوم به في الجزائر العاصمة.
وشارفت العطلة على نهايتها وبدأت والدتي تحدق في مطولا حتى ليخيل إلي أنها تريد حفظ صورتي في مخيلتها وتخزينها في ذاكرتها. وقد أخذني حنين العائلة التي كان يتوجب علي مفارقتها وبدأ يلفني مسبقا. وكانت أمي تزودني بنصائح ملحة تخص أحوالي الصحية. ولكني اعتقد أنها قد كشفت بفعل الحدس الذي حبا الله به الأمهات دون سواهن، بأني كنت متزوجا. فقد أحسست في خضم هذه الوصايا أنها تسعى لاحتلال موقع شخص يعني بصفة خاصة بأحوالي ويهتم بها، إذ كانت تسألني إن لم أكن بحاجة إلى محاجم توضع في جسمي لاجتذاب الألم أو دلك ظهري بمادة اليود.

الصفحة 42